للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استحلالها كاستحلال الخمر. . ثم نقل من بعض الكتب الفقهية نصوصا تفيد تحريم الحشيش وما أشبهه من المخدرات، وبين بعد ذلك أن موقف الإسلام كان حاسما في تحريم القليل والكثير من هذه المخدرات التي تنحدر إلى مهابط الرذيلة وأورد بعض الأحاديث الدالة على تحريم القليل وأن الخطابي قال إن في هذه الأحاديث أبين البيان على أن الحرمة شاملة لجميع أنواع الشراب المسكر (نقلا من الدلائل الواضحات).

ثم بين أن حسم الإسلام في التحريم اقتضى حرمة التداوي بالخمر وخلطها مع الدواء وقال -صلى الله تعالى عليه وسلم- في ذلك «إن الله تعالى لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها» رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان وغيرهم.

ولا عجب في ذلك فإن تحريم الشيء يقتضي مقاطعته وفي اتخاذه دواء ترخيص في ملابسته وهذا ضد مقصود الشارع. . أما في حالة الإضطرار الطارئ كمن غص بالطعام فلا حرج أن يدفعه الأكل بجرعة من الخمر إذا لم يوجد غيرها في أضيق الحدود الممكنة دفعا للحرج كما قال سبحانه وتعالى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (١)

ثم كرر الحكمة في تحريم الخمر من زاوية الضرورات الخمس وأضاف إلى ذلك بيان ما في الخمر من المضار البينة بالنسبة إلى تلك الضرورات.

فأورد في مضارها الدينية أنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ومن أعرض عن ذكر الله وعن الصلاة فإن حياته حياة قلق وإفلاس فكيف والخمر أم الخبائث فهي سبيل إلى جميع المحظورات ومن أضرارها على النفس ما أورده الأطباء بالبحث والتحليل الدقيق من أنها تفسد المعدة وتفقد الشهية وتسبب جحوظ العين وتسبب في إسراع الهرم حتى قالوا إن السكير ابن الأربعين يكون نسيج جسمه كنسيج جسم ابن الستين.

وعلى الجملة هي نذير خطير للجسم إذ تعوق دورة الدم وقد توقفها أحيانا فيموت السكير فجأة ولهذا فقد دلت الإحصاءات الطبية أن المدمنين حياتهم أقصر من غيرهم.

وقد أورد من مضارها على العرض والنسل ما يصاب به الجهاز التناسلي فهي تضعف الفاعلية الجنسية في الرجال وهي في النساء تقل ويكاد يتوقف الطمث أو توقفه وتضعفه وتؤثر على الرغبة الجنسية فيقل الحمل ولهذا يصاب كثير من المدمنين بالعقم والعنة مع أنها تضعف النسل إذا قدر وتشوهه وتجعله عرضة لمختلف الأمراض، ثم إن المسكرات تجرد المرء من الحياء وتدفع متعاطيها إلى ارتكاب الزنا فربما زنا بمحارمه وروى الطبراني إلى أن رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم- قال: «الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر من شربها وقع على أمه وخالته وعمته».

ومن أضرارها على العقل أنها تستره وتغطيه كما هو أول أثر واضح وهو اللطيفة الربانية التي أنعم الله بها على الإنسان ثم يقع مع الإدمان ضعف القوة العقلية وقد ينتهي الأمر بشاربها إلى الجنون، ومن أضرارها المالية فليس هناك ما يدعو إلى إقامة الدليل عليها فالمدمنون للمسكرات أو المخدرات ينفقون الأموال الطائلة التي ربما كانوا أحوج ما يكون إليها لإصلاح شئونهم وشئون أبنائهم ومن يلونهم ثم إنهم يسخون أكثر ما يكون السخاء حال الغيبوبة.

وينتقل من ذلك إلى أن ضرر المسكرات والمخدرات لا تقتصر على المتعاطي وحده بل يتعدى إلى المجتمع واقتصاده وأمنه وسلامته. ويتجلى ذلك في هتك الأعراض وفي المشاجرات والخصومات كما أشار إليه القرآن الكريم {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (٢)


(١) سورة البقرة الآية ١٧٣
(٢) سورة المائدة الآية ٩١