كل واحد منهما ما أقر به على ما أقر به فيحدان معا حدهما، ويقتص ممن عليه القصاص منهما، ويغرم كل واحد منهما ما يلزمه كما يفعل به لو قامت به عليه بينة عادلة، فإن أقرا بما وصفت ثم رجعا قبل أن يقام عليهما الحد لم يقم عليهما حد القطع ولا القتل ولا الصلب بقطع الطريق، ولزمهما حقوق الناس وأغرم السارق قيمة ما سرق، وأغرم قاطع الطريق قيمة ما أقر أنه أخذ لأصحابه، وإن كان في إقراره أنه قتل فلانا دفع إلى وليه، فإن شاء قتله، وإن شاء أخذ منه الدية، وإن شاء عفا عنه؛ لأنه ليس بالحد يقتل، إنما يقتل باعتراف قد رجع عنه، ولو ثبت على الاعتراف قتل، ولم يحقن دمه عفو الولي عنه، وإن كان أقر بجرح، وكان يقتص منه اقتص منه، وإن كان لا يقتص منه أخذ أرشه من ماله، ولو قال: أصبته بذلك الجرح خطأ أخذ من ماله، لا تعقل عاقلته عنه اعترافا، ولو قطعت بعض يد السارق بالإقرار ثم رجع كف عن قطع ما بقي من يده، إلا أن يأمر هو بها على أنه لا يصلحه إلا ذلك، فإن شاء من أمره قطعه، وإن شاء فلا، هو حينئذ يقطع على العيب، ولو قطعت يد المعترف بقطع الطريق ثم رجع لم تقطع رجله إذا كان لا يقام عليه إلا باعترافه، إلا أن تثبت بينة عليه فسواء تقدم رجوعه أو تأخر، أو وجد المانع للحد خوفا منه أو لم يجده، وتؤخذ منهما حقوق الناس كما وصفت قبل هذه المسألة.
(قال الشافعي) ذكر الله - تبارك وتعالى - حد استتابة المحارب فقال - عز وجل -: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ}(١) فمن أخاف في المحاربة الطريق وفعل فيها ما وصفت من قتل أو جرح وأخذ مال أو بعضه، فاختلف أصحابنا فيه فقال بعضهم: كل ما كان لله - عز وجل - من حد يسقط فلا يقطع، وكل ما كان للآدميين لم يبطل يجرح بالجرح، ويؤخذ منه أرشه إن لم يكن فيه قصاص، ويؤخذ منه قيمة ما أخذ، وإن قتل دفع إلى أولياء القتيل، فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا عفوا ولا يصلب، وإن عفا جاز العفو؛ لأنه إنما يصير قصاصا لا حدا، وبهذا أقول، وقال بعضهم: يسقط عنه ما لله - عز وجل - وللناس كله إلا أن يوجد عنده متاع رجل بعينه فيدفعه إليه.
(قال الشافعي) والله أعلم السارق مثله قياسا عليه، فيسقط عنه القطع، ويؤخذ بغرم ما سرق، وإن فات ما سرق.