الزبير بن بكار: حدثني خالد بن وضاح، حدثني أبو الخصيب نافع مولى آل الزبير، عن هشام بن عروة، قال: رأيت الحجر من المنجنيق يهوي حتى أقول: لقد كاد أن يأخذ لحية ابن الزبير. وسمعته يقول: والله إن أبالي إذا وجدت ثلاثمائة يصبرون صبري لو أجلب علي أهل الأرض. قلت: قد كان يضرب بشجاعته المثل.
وعن المنذر بن جهم قال: رأيت ابن الزبير يوم قتل وقد خذله من كان معه خذلانا شديدا، وجعلوا يتسللون إلى الحجاج، وجعل الحجاج يصيح: أيها الناس! علام تقتلون أنفسكم؟ من خرج إلينا، فهو آمن، لكم عهد الله وميثاقه ورب هذه البنية. لا أغدر بكم، ولا لنا حاجة في دمائكم.
قال: فتسلل إليه نحو من عشرة آلاف، فلقد رأيت ابن الزبير وما معه أحد.
وعن إسحاق بن أبي إسحاق قال: حضرت قتل ابن الزبير؛ جعلت الجيوش تدخل عليه من أبواب المسجد، فكلما دخل قوم من باب، حمل عليهم وحده حتى يخرجهم، فبينا هو على تلك الحال، إذ وقعت شرفة من شرفات المسجد على رأسه، فصرعته، وهو يتمثل:
أسماء يا أسماء لا تبكيني
لم يبق إلا حسبي وديني
وصارم لاثت به يميني
قلت: ما إخال أولئك العسكر إلا لو شاءوا، لأتلفوه بسهامهم، ولكن حرصوا على أن يمسكوه عنوة، فما تهيأ لهم، فليته كف عن القتال لما رأى الغلبة، بل ليته لا التجأ إلى البيت، ولا أحوج أولئك الظلمة والحجاج لا بارك الله فيه إلى انتهاك حرمة بيت الله وأمنه. فنعوذ بالله من الفتنة الصماء.
الواقدي، حدثنا فروة بن زبيد، عن عباس بن سهل: سمعت ابن الزبير يقول: ما أراني اليوم إلا مقتولا، لقد رأيت في ليلتي كأن السماء فرجت لي، فدخلتها، فقد والله مللت الحياة وما فيها، ولقد قرأ يومئذ في الصبح ن والقلم حرفا حرفا، وإن سيفه لمسلول إلى جنبه.