للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوة، وإن خرجوا على عدد يسير فقهروهم فهم قطاع طريق.

مسألة - قال: (فمن قتل منهم وأخذ المال قتل وإن عفا صاحب المال، وصلب حتى يشتهر ودفع إلى أهله، ومن قتل منهم ولم يأخذ المال قتل ولم يصلب، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى في مقام واحد ثم حسمتا وخلي).

روينا نحو هذا عن ابن عباس وبه قال قتادة ومجلز وحماد والليث والشافعي وإسحاق، وعن أحمد أنه إذا قتل وأخذ المال قتل وقطع؛ لأن كل واحدة من الجنايتين توجب حدا منفردا فإذا اجتمعا وجب حدهما معا كما لو زنى وسرق، وذهبت طائفة إلى أن الإمام مخير فيهم بين القتل والصلب، والقطع والنفي؛ لأن (أو) تقتضي التخيير كقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (١)، وهذا قول سعيد بن المسيب، وعطاء ومجاهد والحسن والضحاك والنخعي وأبي الزناد وأبى ثور وأبي داود، وروي عن ابن عباس ما كان في القرآن (أو) فصاحبه بالخيار، وقال أصحاب الرأي: إن قتل قتل، وإن أخذ المال قطع، وإن قتل وأخذ المال فالإمام مخير بين قتله وصلبه، وبين قتله وقطعه، وبين أن يجمع له ذلك كله؛ لأنه قد وجد منه ما يوجب القتل والقطع فكان للإمام فعلهما كما لو قتل وقطع في غير قطع طريق، وقال مالك: إذا قطع الطريق فرآه الإمام جلدا ذا رأي قتله، وإن كان جلدا لا رأي له قطعه ولم يعتبر فعله.

ولنا على أنه لا يقتل إذا لم يقتل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ولا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق (٢)»، فأما (أو) فقد قال ابن عباس مثل قولنا، فإما أن يكون توقيفا أو لغة وأيهما كان فهو حجة يدل عليه أنه بدأ بالأغلظ فالأغلظ، وعرف القرآن فيما أريد به التخيير البداءة بالأخف ككفارة اليمين، وما أريد به الترتيب بدئ فيه بالأغلظ فالأغلظ ككفارة الظهار والقتل، ويدل عليه أيضا أن العقوبات تختلف باختلاف الإجرام؛ ولذلك اختلف حكم الزاني والقاذف


(١) سورة المائدة الآية ٨٩
(٢) رواه البخاري في الديات ورواه مسلم في القسامة بهذا المعنى ورواه أبو داود في الديات ص٦٤٠ واللفظ له.