للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والسارق، وقد سووا بينهم مع اختلاف جناياتهم، وهذا يرد على مالك فإنه إنما اعتبر الجلد والرأي دون الجنايات، وهو مخالف للأصول التي ذكرناها.

وأما قول أبي حنيفة فلا يصح؛ لأن القتل لو وجب لحق الله تعالى لم يخير الإمام فيه كقطع السارق، وكما لو انفرد بأخذ المال، ولأن الحدود لله تعالى إذا كان فيها قتل سقط ما دونه كما لو سرق وزنى وهو محصن.

وقد روي عن ابن عباس قال: «وادع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا برزة الأسلمي فجاء ناس يريدون الإسلام فقطع عليهم أصحابه فنزل جبريل - عليه السلام - بالحد فيهم: أن من قتل وأخذ المال قتل وصلب، ومن قتل ولم يأخذ المال قتل، ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف»، وقيل: إنه رواه أبو داود وهذا كالمسند، وهو نص، فإذا ثبت هذا فإن قاطع الطريق لا يخلو من أحوال خمس:

(الأول) إذا قتل وأخذ المال فإنه يقتل ويصلب في ظاهر المذهب، وقتله متحتم لا يدخله عفو. أجمع على هذا كل أهل العلم، قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من تحفظ عنه من أهل العلم. روي ذلك عن عمر، وبه قال سليمان بن موسى والزهري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي؛ ولأنه حد من حدود الله تعالى فلم يسقط بالعفو كسائر الحدود.

وهل يعتبر التكافؤ بين القاتل والمقتول، فيه روايتان: (إحداهما): لا يعتبر بل يؤخذ الحر بالعبد، والمسلم بالذمي، والأب بالابن؛ لأن هذا القتل حد الله تعالى فلا تعتبر فيه المكافأة كالزنا والسرقة. (والثانية): تعتبر المكافأة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يقتل مسلم بكافر (١)»، والحد فيه انحتامه بدليل أنه لو تاب قبل القدرة عليه سقط الانحتام ولم يسقط القصاص، فعلى هذه الرواية إذا قتل المسلم ذميا أو الحر عبدا أو أخذ ماله قطعت يده ورجله من خلاف لأخذه المال، وغرم دية الذمي وقيمة العبد، وإن قتله ولم يأخذ مالا غرم ديته ونفي، وذكر القاضي أنه إنما يتحتم قتله إذا قتله ليأخذ المال، وإن قتله لغير ذلك مثل أن يقصد لعداوة بينهما، فالواجب قصاص غير متحتم، وإذا قتل صلب لقول الله تعالى: {أَوْ يُصَلَّبُوا} (٢) والكلام فيه في ثلاثة أمور:.

(أحدهما): في وقته، ووقته بعد القتل، وبهذا قال الشافعي، وقال الأوزاعي ومالك والليث وأبو حنيفة وأبو يوسف: يصلب حيا ثم يقتل مصلوبا يطعن بالحربة؛ لأن الصلب عقوبة، وإنما يعاقب الحي لا الميت، ولأنه جزاء على المحاربة فيشرع في


(١) صحيح مسلم الصلاة (٤٨٧)، سنن النسائي التطبيق (١١٣٤)، سنن أبو داود الصلاة (٨٧٢)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٤٩).
(٢) سورة المائدة الآية ٣٣