للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحياة كسائر الأجزية، ولأن الصلب بعد قتله يمنع تكفينه ودفنه فلا يجوز.

ولنا أن الله تعالى قدم القتل على الصلب لفظا، والترتيب بينهما ثابت بغير خلاف؛ فيجب تقديم الأول في اللفظ كقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (١)، ولأن القتل إذا أطلق في لسان الشرع كان قتلا بالسيف، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة (٢)»، وأحسن القتل، هو القتل بالسيف، وفي صلبه حيا تعذيب له، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تعذيب الحيوان، وقولهم: إنه جزاء على المحاربة، قلنا: لو شرع لردعه لسقط بقتله كما يسقط سائر الحدود مع القتل، وإنما شرع الصلب ردعا لغيره ليشتهر أمره، وهذا يحصل بصلبه بعد قتله، وقولهم: يمنع تكفينه ودفنه، قلنا: هذا لازم لهم؛ لأنهم يتركونه بعد قتله مصلوبا.

(الثاني): في قدره ولا توقيت فيه إلا قدر ما يشتهر أمره، قال أبو بكر: لم يوقت أحمد في الصلب، فأقول يصلب قدر ما يقع عليه الاسم، والصحيح توقيته بما ذكر الخرقي من الشهرة؛ لأن المقصود يحصل به، وقال الشافعي: يصلب ثلاثا، وهو مذهب أبي حنيفة، وهذا توقيت بغير توقيف، فلا يجوز مع أنه في الظاهر يقضي إلى تغيره ونتنه وأذى المسلمين برائحته ونظره، ويمنع تغسيله وتكفينه ودفنه فلا يجوز بغير دليل.

(الثالث): في وجوبه وهذا واجب حتم في حق من قتل وأخذ المال لا يسقط بعفو ولا غيره، وقال أصحاب الرأي: إن شاء الإمام صلب، وإن شتاء لم يصلب.

ولنا حديث ابن عباس أن جبريل نزل بأن من قتل وأخذ المال صلب؛ ولأنه شرع حدا فلم يتخير بين فعله وتركه كالقتل وسائر الحدود، إذا ثبت هذا فإنه إذا اشتهر أنزل ودفع إلى أهله فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن.

(فصل) وإن مات قبل قتله لم يصلب؛ لأن الصلب من تمام الحد، وقد فات الحد بموته فيسقط ما هو من تتمته، وإن قتل في المحاربة بمثقل قتل، كما لو قتل بمحدد؛ لأنهما سواء في وجوب القصاص بهما، وإن قتل بآلة لا يجب القصاص بالقتل بها كالسوط والعصا والحجر الصغير، فظاهر كلام الخرقي أنهم يقتلون أيضا؛ لأنهم دخلوا في العموم.


(١) سورة البقرة الآية ١٥٨
(٢) رواه مسلم، في كتاب الصيد والذبائح ص١٠٦ (مسلم بشرح النووي ج٧.