(الحال الثاني): قتلوا ولم يأخذوا المال فإنهم يقتلون ولا يصلبون. وعن أحمد رواية أخرى أنهم يصلبون؛ لأنهم محاربون يجب قتلهم، فيصلبون كالذين أخذوا المال، والأولى أصح؛ لأن الخبر المروي فيهم قال فيه:«ومن قتل ولم يأخذ المال قتل»، ولم يذكر صلبا، ولأن جنايتهم بأخذ المال مع القتل تزيد على الجناية بالقتل وحده، فيجب أن تكون عقوبتهم أغلظ، ولو شرع الصلب هنا لاستويا، والحكم في تحتم القتل، وكونه حدا هاهنا كالحكم فيه إذا قتل وأخذ المال.
(فصل) وإذا جرح المحارب جرحا في مثله قصاص فهل يتحتم فيه القصاص، على روايتين:
(إحداهما): لا يتحتم؛ لأن الشرع لم يرد بشرع الحد في حقه بالجراح، فإن الله تعالى ذكر في حدود المحاربين القتل والصلب والقطع والنفي؛ فلم يتعلق بالمحاربة غيرها فلا يتحتم بخلاف القتل، فإنه حد فتحتم كسائر الحدود فحينئذ لا يجب فيه أكثر من القصاص.
(والثانية): يتحتم؛ لأن الجراح تابعة للقتل، فيثبت فيها مثل حكمه، ولأنه نوع قود أشبه القود في النفس والأولى أولى، وإن جرحه جرحا لا قصاص فيه كالجائفة فلبس فيه إلا الدية، وإن جرح إنسانا، وقتل آخر اقتص منه للجراح وقتل للمحاربة، وقال أبو حنيفة تسقط الجراح؛ لأن الحدود إنما اجتمعت وفيها قتل، سقط ما سوى البتل.
ولنا أنها جناية يجب بها القصاص في غير المحاربة فيجب بها في المحاربة كالقتل ولا نسلم أن القصاص في الجراح حد، وإنما هو قصاص متمحص فأشبه ما لو كان الجرح في غير المحاربة، وإن سلمنا أنه حد، فإنه مشروع مع القتل فلم يسقط به كالصلب وكقطع اليد والرجل.
(الحال الثالث): أخذ المال ولم يقتل فإنه تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، وهذا معنى قوله سبحانه: من خلاف، وإنما قطعنا يده اليمنى للمعنى الذي قطعنا به يمنى السارق، ثم قطعنا رجله اليسرى لتتحقق المخالفة، وليكون أرفق به في إمكان مشيه ولا ينتظر اندمال اليد في قطع الرجل بل يقطعان معا، يبدأ بيمينه فتقطع وتحسم ثم برجله؛ لأن الله تعالى بدأ بذكر الأيدي ولا خلاف بين أهل العلم في أنه لا يقطع منه غير يد ورجل إذا كانت يداه ورجلاه صحيحين، فأما إن كان معدوم اليد والرجل، إما لكونه قد قطع في قطع طريق أو سرقة أو قصاص، أو لمرض فمقتضى كلام الخرقي سقوط القطع عنه سواء كانت اليد اليمنى