للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العموم، ولأنه إذا تاب قبل القدرة فالظاهر أنها توبة إخلاص، وبعدها الظاهر أنها تقية من إقامة الحد عليه، ولأن في قبول توبته وإسقاط الحد عنه قبل القدرة ترغيبا في توبته والرجوع عن محاربته وإفساده فناسب ذلك الإسقاط عنه، وأما بعدها فلا حاجة إلى ترغيبه؛ لأنه قد عجز عن الفساد والمحاربة.

(فصل) وإن فعل المحارب ما يوجب حدا لا يختص المحاربة كالزنا والقذف وشرب الخمر والسرقة، فذكر القاضي: أنها تسقط بالتوبة؛ لأنها حدود الله تعالى؛ فتسقط بالتوبة كحد المحاربة، إلا حد القذف فإنه لا يسقط؛ لأنه حق آدمي؛ ولأن في إسقاطها ترغيبا في التوبة، ويحتمل أن لا تسقط؛ لأنها لا تختص المحاربة، فكانت في حقه كهي في حق غيره، وإن أتى حدا قبل المحاربة ثم حارب وتاب قبل القدرة عليه لم يسقط الحد الأول؛ لأن التوبة إنما يسقط بها الذنب الذي تاب منه دون غيره.

(فصل) وإن تاب من عليه حد من غير المحاربين وأصلح، ففيه روايتان:

(إحداهما) يسقط عنه لقول الله تعالى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} (١)، وذكر حد السارق ثم قال: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} (٢)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له (٣)»، ومن لا ذنب له لا حد عليه، وقال في ماعز لما أخبر بهربه: «هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه (٤)»، ولأنه خالص حق الله تعالى فيسقط بالتوبة كحد المحارب.

(والرواية الثانية) لا يسقط، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لقول الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (٥)، وهذا عام في التائبين وغيرهم، وقال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (٦)، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم ماعزا والغامدية، وقطع الذي أقر بالسرقة، وقد جاءوا تائبين يطلبون التطهير بإقامة الحد


(١) سورة النساء الآية ١٦
(٢) سورة المائدة الآية ٣٩
(٣) رواه ابن ماجة (كتاب الزهد ص ١٤٢٠ ذكر صاحب الزوائد، وقال: إسناده صحيح.
(٤) سنن أبو داود الحدود (٤٤١٩)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٢١٧).
(٥) سورة النور الآية ٢
(٦) سورة المائدة الآية ٣٨