للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد سمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلهم توبة، فقال في حق المرأة: «لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم (١)»، «وجاء عمرو بن سمرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني سرقت جملا لبني فلان فطهرني (٢)»، وقد أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحد عليهم، ولأن الحد كفارة فلم يسقط بالتوبة ككفارة اليمين والقتل؛ ولأنه مقدور عليه فلم يسقط عنه الحد بالتوبة كالمحارب بعد القدرة عليه.

فإن قلنا بسقوط الحد بالتوبة فهل يسقط بمجرد التوبة أو بها مع إصلاح العمل، فيه وجهان: (أحدهما): يسقط بمجردها، وهو ظاهر قول أصحابنا؛ لأنها توبة مسقطة للحد فأشبهت توبة المحارب قبل القدرة عليه. (والثاني) يعتبر إصلاح العمل؛ لقول الله تعالى: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} (٣) وقال: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} (٤) فعلى هذا القول يعتبر مضي مدة يعلم بها صدق توبته وصلاح نيته، وليست مقدرة بمدة معلومة، وقال بعض أصحاب الشافعي مدة ذلك سنة، وهذا توقيت بغير توقيف فلا يجوز.

(فصل) وحكم الردء من القطاع حكم المباشر، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة، وقال الشافعي: ليس على الردء إلا التعزير؛ لأن الحد يجب بارتكاب المعصية، فلا يتعلق بالمعين كسائر الحدود. ولنا أنه حكم يتعلق بالمحاربة، فاستوى فيه الردء والمباشر كاستحقاق الغنيمة، وذلك لأن المحاربة مبنية على حصول المنعة والمعاضدة والمناصرة، فلا يتمكن المباشر من فعله إلا بقوة الردء بخلاف سائر الحدود، فعلى هذا إذا قتل واحد منهم ثبت حكم القتل في حق جميعهم، فيجب قتل جميعهم، وإن قتل بعضهم وأخذ بعضهم المال جاز قتلهم وصلبهم كما لو فعل الأمرين كل واحد منهم.

(فصل) وإن كان فيهم صبي أو مجنون أو ذو رحم من المقطوع عليه لم يسقط الحد من غيره في قول أكثر أهل العلم، وقال أبو حنيفة يسقط الحد عن جميعهم ويصير القتل للأولياء إن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا عفوا؛ لأن حكم الجميع واحد فالشبهة في فعل واحد شبهة في حق الجميع.

ولنا أنها شبهة تختص بها واحد فلم يسقط الحد عن الباقين كما لو اشتركوا في وطء امرأة وما ذكروه لا أصل له فعلى هذا لا حد على الصبي والمجنون وإن باشرا قتل وأخذا


(١) رواه مسلم في (الحدود ص ٢٠٥) مسلم بشرح النووي، ورواه غيره.
(٢) سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٨٨).
(٣) سورة النساء الآية ١٦
(٤) سورة المائدة الآية ٣٩