للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى ما لا علم له به، وهذا حرام، قال الله تعالى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (١)، وإن كان المحارب المذكور في الآية مرتدا عن إسلامه فقد بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكم المرتد بقوله: «من بدل دينه فاقتلوه (٢)»، وبينه الله تعالى بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} (٣)، فصح يقينا أن حكم المرتد الذي أوجب الله تعالى في القرآن وعلى لسان رسوله - عليه السلام - هو غير حكمه تعالى في المحارب، فصح يقينا أن المحارب ليس مرتدا، وأيضا فلا خلاف بين أحد من الأمة في أن حكم المرتد المقدور عليه ليس هو الصلب، ولا قطع اليد والرجل ولا النفي من الأرض؛ فصح بكل ما ذكرنا أن المحارب ليس كافرا أصلا، إذ ليس له شيء من أحكام الكفر، ولا لأحد من الكفار حكم المحارب، والرواية عن ابن عباس فيها الحسن بن واقد (٤)، وليس بالقوي، وهو أيضا من قول ابن عباس لا سندا، فإذ قد صح ما ذكرنا يقينا فقد ثبت بلا شك أن المحارب إنما هو مسلم عاص، فإذ هو كذلك فالواجب أن ننظر ما المعصية التي بها وجب أن يكون محاربا، وأن يكون له حكم المحارب، فنظرنا في جميع المعاصي من الزنا والقذف والسرقة، والغصب والسحر والظلم، وشرب الخمر والمحرمات أو أكلها، والفرار من الزحف. وغير ذلك فوجدنا جميع هذه المعاصي ليس منها شيء جاء نص أو إجماع في أنه محارب، فبطل أن يكون فاعل شيء منها محاربا، وأيضا فإن جميع المعاصي التي ذكرنا والتي لم نذكر لا تخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما. إما أن يكون فيها نص بحد محدود أو لا يكون فيها نص بحد محدود، فالتي فيها النص بحد محدود فهي الردة، والزنا، والقذف، والخمر، والسرقة. وجحد للعارية، وليس لشيء منها الحكم المذكور في الآية في المحارب فبطل أن يكون شيء من هذه المعاصي محاربة، وهذا أيضا إجماع متيقن. وأما ما ليس فيه من الله تعالى حد محدود لا في القرآن، ولا على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يحل لأحد أن


(١) سورة البقرة الآية ١٦٩
(٢) رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير، ص ١٧٢، (حاشية السندي)، ورواه غيره.
(٣) سورة آل عمران الآية ٩٠
(٤) كذا بالأصل، والصواب الحسين بن واقد، وهو ثقة له أوهام كما في التقريب