للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذمة وحارب فصار حربيا، وإما أن يكون مسلما فارتد إلى الكفر، لا بد من أحد هذه الوجوه ضرورة ولا يمكن، ولا يوجد غيرها، فلو كان حربيا مذ كان فلا يختلف من الأمة اثنان في أنه ليس هذا حكم الحربيين وإنما حكم الحربيين القتل في اللقاء كيف أمكن حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، من كان منهم كتابيا في قولنا وقول طوائف من الناس، أو من كان منهم من أي دين كان ما لم يكن عربيا في قول غيرنا، أو يؤسر فيكون حكمه ضرب العنق فقط بلا خلاف؛ كما قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقبة بن أبي معيط. والنضر بن الحارث. وبني قريظة وغيرهم، أو يسترق، أو يطلق إلى أرضه كما أطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمامة بن أثال الحنفي، وأبا العاصي بن الربيع وغيرهما، أو يفادى به كما قال الله تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} (١)، أو نطلقهم أحرارا ذمة كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأهل خيبر فهذه أحكام الحربيين بنص القرآن والسنن الثابتة والإجماع المتيقن، ولا خلاف في أنه ليس الصلب ولا قطع الأيدي والأرجل ولا النفي من أحكامهم، فبطل أن يكون المحارب المذكور في الآية حربيا كافرا، وإن كان ذميا فنقض العهد فللناس فيه أقوال ثلاثة لا رابع لها: أحدها أنه ينتقل إلى حكم الحربيين في كل ما ذكرنا. والثاني: أنه محارب حتى يقدر عليه فيرد إلى ذمته كما كان ولا بد.

والثالث: أنه لا يقبل منه إلا الإسلام أو السيف، وقد فرق بعض الناس بين الذمي ينقض العهد فيصير حربيا، وبين الذمي يحارب فيكون له عندهم حكم المحارب المذكور في الآية لا حكم الحربي، فصح بلا خلاف أن الذمي الناقض لذمته المنتقل إلى حكم أهل الحرب ليس له حكم المحارب المذكور في الآية بلا خلاف، وبين هذا قول الله تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} (٢) إلى قوله: {لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} (٣).

فأمر الله تعالى بقتالهم إذا نكثوا عهدهم حتى ينتهوا، وهذا عموم يوجب الانتهاء عن كل ما هم عليه من الضلال، وهذا يقتضي ولا بد أن لا يقبل منهم إلا الإسلام وحده، (ولا يجوز أن يخص بقوله تعالى: حتى ينتهوا، انتهاء دون انتهاء، فيكون فاعل ذلك قائلا على الله


(١) سورة محمد الآية ٤
(٢) سورة التوبة الآية ١٢
(٣) سورة التوبة الآية ١٢