للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو محمد - رحمه الله -: فنظرنا فيما احتجوا به من ذلك فوجدنا الخبر المذكور لا يصح؛ لأنه انفرد به إبراهيم بن طهمان وليس بالقوي. وأما قول ابن جريج: ما نعلم أحدا حارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أشرك، فإن محاربة الله تعالى، ومحاربة رسوله - عليه السلام - تكون على وجهين:

أحدهما من مستحل لذلك، فهو كافر بإجماع الأمة كلها، لا خلاف في ذلك إلا ممن لا يعتد به في الإسلام، وتكون من فاسق عاص معترف بحرمة، فلا يكون بذلك كافرا، لكن كسائر الذنوب من الزنا، والقتل، والغصب، وشرب الخمر، وأكل الخنزير والميتة والدم، وترك الصلاة، وترك الزكاة، وترك صوم شهر رمضان، وترك الحج؛ فهذا لا يكون كافرا؛ لما قد تقصيناه في كتاب الفصل وغيره، ويجمع الحجة في ذلك أنه لو كان فاعل شيء من هذه العظائم كافرا بفعله، ذلك لكان مرتدا بلا شك، ولو كان بذلك مرتدا لوجب قتله لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل من ارتد وبدل دينه، وهذا لا يقوله مسلم.

قال أبو محمد (فإن قال قائل): إننا لا نسلم أن من عصى بغير الكفر لا يكون محاربا لله تعالى ولرسوله عليه السلام.

(قلنا له): - وبالله تعالى التوفيق - قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (١) {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (٢) الآية، كتب إلي أبو المرجى بن ذروان، قال: نا أبو الحسن الرحبي، نا أبو مسلم الكاتب، نا عبد الله بن أحمد بن المفلس، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل، نا أبي، نا حماد بن خالد الخياط، نا عبد الواحد - مولى عروة - عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قال الله تعالى: من آذى لي وليا فقد استحل محاربتي (٣)»، وقال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (٤) وإلى قوله: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} (٥) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تقتل عمارا الفئة الباغية (٦)»، فصح أنه ليس كل عاص محاربا، ولا كل محارب كافرا، ثم نظرنا في ذلك أيضا فوجدنا الله تعالى قد حكم في المحارب ما ذكرنا من القتل أو الصلب أو قطع الأيدي والأرجل من خلاف، أو النفي من الأرض، وإسقاط ذلك كله عنه بالتوبة قبل القدرة عليه فلو كان المحارب المأمور فيه بهذه الأوامر كافرا لم يخل من ثلاثة أوجه لا رابع لها، إما أن يكون حربيا مذ كان، وإما أن يكون ذميا فنقض


(١) سورة البقرة الآية ٢٧٨
(٢) سورة البقرة الآية ٢٧٩
(٣) مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٢٥٦).
(٤) سورة الحجرات الآية ٩
(٥) سورة الحجرات الآية ١٠
(٦) صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (٢٩١٦)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٢٨٩).