للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (١)، وغير ذلك من الآيات التي نزلت بمكة.

ثم جرى بالمدينة سبب يقتضي الخطاب. فأنزلت مرة ثانية فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بل نصبر»، وفي صحيح مسلم عن بريدة بن الحصيب - رضي الله عنه - قال «كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا بعث أميرا على سرية أو جيش أو في حاجة نفسه أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله تعالى وبمن معه من المسلمين خيرا، ثم يقول: اغزوا باسم الله، في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا (٢)».

ولو شهروا السلاح في البنيان - لا في الصحراء - لأخذ المال، فقد قيل: إنهم ليسوا محاربين، بل هم بمنزلة المختلس والمنتهب؛ لأن المطلوب يدركه الغوث إذا استغاث بالناس، وقال أكثرهم: إن حكمهم في البنيان والصحراء واحد. وهذا قول مالك - في المشهور عنه - والشافعي، وأكثر أصحاب أحمد، وبعض أصحاب أبي حنيفة، بل هم في البنيان أحق بالعقوبة منهم في الصحراء؛ لأن البنيان محل الأمن والطمأنينة، ولأنه محل تناصر الناس وتعاونهم، فإقدامهم عليه يقتضي شدة المحاربة والمغالبة، ولأنهم يسلبون الرجل في داره جميع ماله، والمسافر لا يكون معه - غالبا - إلا بعض ماله، وهذا هو الصواب: لا سيما هؤلاء المتحزبون الذين تسميهم العامة في الشام ومصر "المنسر"، وكانوا يسمون ببغداد العيارين، ولو حاربوا بالعصي والحجارة المقذوفة بالأيدي أو المقاليح ونحوها؛ فهم محاربون أيضا، وقد حكي عن بعض الفقهاء: لا محاربة إلا بالمحدد، وحكى بعضهم الإجماع على أن المحاربة تكون بالمحدد والمثقل، وسواء كان فيه خلاف أو لم يكن.

فالصواب الذي عليه جماهير المسلمين: أن من قاتل على أخذ المال بأي نوع كان من أنواع القتال فهو محارب قاطع، كما أن قاتل المسلمين من الكفار بأي نوع كان من أنواع القتال فهو حربي، ومن قاتل الكفار من المسلمين بسيف أو رمح أو سهم أو حجارة أو بعصي فهو مجاهد في سبيل الله.


(١) سورة هود الآية ١١٤
(٢) صحيح مسلم الجهاد والسير (١٧٣١)، سنن الترمذي السير (١٦١٧)، سنن أبو داود الجهاد (٢٦١٣)، سنن ابن ماجه الجهاد (٢٨٥٨)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٣٥٨)، سنن الدارمي السير (٢٤٣٩).