وأما إذا كان يقتل النفوس سرا لأخذ المال مثل الذي يجلس في خان يكريه لأبناء السبيل، فإذا انفرد بقوم منهم قتلهم وأخذ أموالهم، أو يدعو إلى منزله من يستأجره لخياطة أو طب أو نحو ذلك فيقتله، ويأخذ ماله، وهذا يسمى القتل غيلة، ويسميهم بعض العامة المعرجين، فإذا كان لأخذ المال فهل هم كالمحاربين أو يجري عليهم حكم القود؟ فيه قولان للفقهاء:
أحدهما: أنهم كالمحاربين؛ لأن القتل بالحيلة كالقتل مكابرة كلاهما لا يمكن الاحتراز منه، بل قد يكون ضرر هذا أشد؛ لأنه لا يدري به.
والثاني: أن المحارب هو المجاهر بالقتال، وأن هذا المغتال يكون أمره إلى ولي الدم، والأول أشبه بأصول الشريعة، بل قد يكون ضرر هذا أشد لأنه لا يدري به.
واختلف الفقهاء أيضا فيمن يقتل السلطان كقتلة عثمان، وقاتل علي - رضي الله عنهما - هل هم كالمحاربين فيقتلون حدا، أو يكون أمرهم إلى أولياء الدم، على قولين في مذهب أحمد وغيره؛ لأن في قتله فسادا عاما.
فصل
وهذا كله إذا قدر عليهم، فأما إذا طلبهم السلطان أو نوابه لإقامة الحد بلا عدوان، فامتنعوا عليه فإنه يجب على المسلمين قتالهم باتفاق العلماء، حتى يقدر عليهم كلهم، ومتى لم ينقادوا إلا بقتال يفضي إلى قتلهم كلهم، قوتلوا وإن أفضى إلى ذلك، سواء كانوا قد قتلوا أو لم يقتلوا، ويقتلون في القتال كيفما أمكن في العنق وغيره، ويقاتل من قاتل معهم ممن يحميهم ويعينهم، فهذا قتال وذاك إقامة حد.
وقتال هؤلاء أوكد من قتل الطوائف الممتنعة عن شرائع الإسلام، فإن هؤلاء قد تحزبوا لفساد النفوس والأموال وهلاك الحرث والنسل ليس مقصودهم إقامة دين ولا ملك.
وهؤلاء كالمحاربين الذين يأوون إلى حصن أو مغارة أو رأس جبل أو بطن واد ونحو ذلك يقطعون الطريق على من مر بهم، وإذا جاءهم جند ولي الأمر يطلبهم للدخول في طاعة المسلمين والجماعة لإقامة الحدود: قاتلوهم ودفعوهم مثل الأعراب الذين يقطعون