وهذا الذي تسميه الفقهاء " الصائل، وهو الظالم بلا تأويل ولا ولاية، فإذا كان مطلوبه المال جاز دفعه بما يمكن، فإذا لم يندفع إلى بالقتال قوتل، وإن ترك القتال وأعطاهم شيئا من المال جاز، وأما إذا كان مطلوبه الحرمة مثل أن يطلب الزنا بمحارم الإنسان، أو يطلب من المرأة أو الصبي المملوك أو غيره الفجور به؛ فإنه يجب عليه أن يدفع عن نفسه بما يمكن ولو بالقتال، ولا يجوز التمكين منه بحال، بخلاف المال، فإنه يجوز التمكين منه؛ لأن بذل المال جائز، وبذل الفجور بالنفس أو بالحرمة غير جائز، وأما إذا كان مقصوده قتل الإنسان جاز له الدفع عن نفسه، وهل يجب إليه؟ على قولين للعلماء في مذهب أحمد وغيره.
وهذا إذا كان للناس سلطان، فأما إذا كان - والعياذ بالله - فتنة، مثل أن يختلف سلطانان للمسلمين ويقتتلان على الملك، فهل يجوز للإنسان إذا دخل أحدهما بلد الآخر وجرى السيف أن يدفع عن نفسه في الفتنة أو يستسلم فلا يقاتل فيها؟ على قولين لأهل العلم في مذهب أحمد وغيره.
فإذا ظفر السلطان بالمحاربين الحرامية - وقد أخذوا الأموال التي للناس - فعليه أن يستخرج في منهم الأموال التي للناس ويرد عليهم مع إقامة الحد على أبدانهم، وكذلك السارق، فإن امتنعوا من إحضار المال بعد ثبوته عليهم عاقبهم بالحبس والضرب، حتى يمكنوا من أخذه يإحضاره أو توكيل من يحضره، أو الإخبار بمكانه، كما يعاقب كل ممتنع عن حق وجب عليه أداؤه، فإن أنه قد أباح للرجل في كتابه أن يضرب امرأته إذا نشزت فامتنعت من الحق الواجب عليها، حتى تؤديه، فهؤلاء، أولى وأحرى، وهذه المطالبة والعقوبة حق لرب المال، فإن أراد هبتهم المال أو المصالحة عليه أو العفو عن عقوبتهم فله ذلك بخلاف إقامة الحد عليهم، فإنه لا سبيل إلى العفو عنه بحال، وليس للإمام أن يلزم رب المال بترك شيء من حقه.
وإن كانت الأموال قد تلفت بالأكل وغيرهم عندهم أو عند السارق، فقيل: يضمنونها لأربابها كما يضمن سائر الغارمين، وهو قال الشافعي وأحمد - رضي الله عنهما -، وتبقى مع الأعمار في ذمتهم إلى ميسرة، وقيل: لا يجتمع الغرم والقطع، وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله - وقيل، يضمنونها مع اليسار فقط دون الإعسار، وهو قول مالك - رحمه الله -.
ولا يحل للسلطان أن يأخذ من أرباب الأموال جعلا على طلب المحاربين وإقامة الحد