للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من الحنطة خمرا، وإن من الشعير خمرا، ومن الزبيب خمرا، ومن العسل خمرا (١)»، رواه أبو داود والترمذي وجماعة أخر؛ ولأنها سميت خمرا لمخامرتها العقل، والسكر يوجد بشرب غيرها فكان خمرا، ولنا أن الخمر حقيقة اسم للنيء من ماء العنب، المسكر باتفاق أهل اللغة، وغيره يسمى مثلثا وباذقا إلى غير ذلك من أسمائه، وتسمية غيرها خمرا مجازا، وعليه يعمل الحديث أو على بيان الحكم إن ثبت؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - بعث له لا لبيان الحقائق.

ولا نسلم أنها سميت خمرا لمخامرتها العقل بل لتخمرها، ولكن سلمنا لأنها سميت بالخمر لمخامرتها العقل لا يلزم منه أن يسمى غيرها بالخمر قياسا عليها؛ لأن القياس لإثبات الأسماء اللغوية باطل، وإنما هو لتعدي الحكم الشرعي، ألا ترى أن البرج سمي برجا لتبرجه، وهو الظهور، وكذا النجم سمي نجما لظهوره، ثم لا يسمى كل ظاهر برجا ولا نجما.

وما ذكره في المختصر من تعريف الخمر، هو قول أبي حنيفة - رحمه الله -.

وعندهما: إذا اشتد صار خمرا، ولا يشترط فيه القذف بالزبد؛ لأن اللذة المطربة والقوة المسكرة تحصل به، وهو المؤثر في إيقاع العداوة والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وأما القذف بالزبد فهو وصف لا تأثير له في إحداث صفة السكر، وله أن الغليان بداية الشدة وكماله بقذف الزبد؛ لأنه يتميز به الصافي من الكدر، وأحكام الشرع المتعلقة بها قطعية كالحد وإكفار مستحلها ونحو ذلك؛ فتناط بالنهاية به.

وقيل يؤخذ في حرمة الشرب بمجرد الاشتداد، وفي وجوب الحد على الشارب بقذف الزبد احتياطا (٢).

تعريفها عند المالكية:

أ - في المدونة قلت لابن القاسم: هل كان مالك يكره المسكر من النبيذ، قال: قال مالك: ما أسكر من الأشربة كلها فهو خمر. انتهى المقصود (٣).


(١) سنن الترمذي الأشربة (١٨٧٢)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٧٦)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٧٩).
(٢) انظر كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي، وبهامشه حاشية الشيلي / ٦/ ٤٤
(٣) المدونة / ٤/ ٤١٠