للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو عبد الله بن الأخرم: انصرف محمد بن نصر من الرحلة الثانية سنة ستين ومائتين، فاستوطن نيسابور، فلم تزل تجارته بنيسابور، أقام مع شريك له مضارب، وهو يشتغل بالعلم والعبادة، ثم خرج سنة خمس وسبعين إلى سمرقند، فأقام بها وشريكه بنيسابور، وكان وقت مقامه بنيسابور هو المقدم والمفتي بعد وفاة محمد بن يحيى ; فإن حيكان -يعني يحيى ولد محمد بن يحيى - ومن بعده أقروا له بالفضل والتقدم.

قال ابن الأخرم الحافظ: أخبرنا إسماعيل بن قتيبة: سمعت محمد بن يحيى غير مرة إذا سئل عن مسألة يقول: سلوا أبا عبد الله المروزي.

وقال أبو بكر الصبغي: أدركت إمامين لم أرزق السماع منهما: أبو حاتم الرازي، ومحمد بن نصر المروزي ; فأما ابن نصر فما رأيت أحسن صلاة منه، لقد بلغني أن زنبورا قعد على جبهته، فسال الدم على وجهه، ولم يتحرك.

وقال محمد بن يعقوب بن الأخرم: ما رأيت أحسن صلاة من محمد بن نصر ; كان الذباب يقع على أذنه، فيسيل الدم، ولا يذبه عن نفسه، ولقد كنا نتعجب من حسن صلاته وخشوعه وهيئته للصلاة، كان يضع ذقنه على صدره، فينتصب كأنه خشبة منصوبة. قال: وكان من أحسن الناس خلقا، كأنما فقئ في وجهه حب الرمان، وعلى خديه كالورد، ولحيته بيضاء.

قال أحمد بن إسحاق الصبغي: سمعت محمد بن عبد الوهاب الثقفي يقول: كان إسماعيل بن أحمد -والي خراسان - يصل محمد بن نصر في العام بأربعة آلاف درهم، ويصله أخوه إسحاق بمثلها، ويصله أهل سمرقند بمثلها، فكان ينفقها من السنة إلى السنة، من غير أن يكون له عيال، فقيل له: لو ادخرت لنائبة؟ فقال: سبحان الله! أنا بقيت بمصر كذا كذا سنة، قوتي، وثيابي، وكاغدي وحبري وجميع ما أنفقه على نفسي في السنة عشرون درهما، فترى إن ذهب ذا لا يبقى ذاك!.