فنزلنا إلى صنعاء، فأدخلته على وهب - ومسعود بن عوف وال على اليمن من قبل عروة بن محمد فوجدنا عند وهب - نفرا، فقال لي بعض النفر: من هذا الشيخ؟ قلت: له حاجة، فقام القوم، فقال وهب: ما حاجتك يا ذا خولان؟ فهرج وجبن، فقال لي وهب: عبر عنه. قلت: إنه من أهل القرآن والصلاح، والله أعلم بسريرته، فأخبرني أنه عرض له نفر من أهل حروراء فقالوا له: زكاتك التي تؤديها إلى الأمراء لا تجزئ عنك ; لأنهم لا يضعونها في مواضعها فأدها إلينا، ورأيت يا أبا عبد الله أن كلامك أشفى له من كلامي.
فقال: يا ذا خولان، أتريد أن تكون بعد الكبر حروريا تشهد على من هو خير منك بالضلالة؟ فماذا أنت قائل لله غدا حين يقفك الله؟ ومن شهدت عليه، فالله يشهد له بالإيمان، وأنت تشهد عليه بالكفر، والله يشهد له بالهدى، وأنت تشهد عليه بالضلالة، فأين تقع إذا خالف رأيك أمر الله، وشهادتك شهادة الله؟ أخبرني يا ذا خولان، ماذا يقولون لك؟ فتكلم عند ذلك، وقال لوهب: إنهم يأمرونني أن لا أتصدق إلا على من يرى رأيهم ولا أستغفر إلا له. فقال: صدقت، هذه محنتهم الكاذبة.
فأما قولهم في الصدقة، فإنه قد بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ذكر أن امرأة من أهل اليمن دخلت النار في هرة ربطتها " أفإنسان ممن يعبد الله يوحده ولا يشرك به أحب إلى الله أن يطعمه من جوع، أو هرة!؟ والله يقول: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا الآيات.
وأما قولهم: لا يستغفر إلا لمن يرى رأيهم، أهم خير أم الملائكة، والله يقول: ويستغفرون لمن في الأرض فوالله ما فعلت الملائكة ذلك حتى أمروا به: لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وجاء ميسرا: ويستغفرون للذين آمنوا.