للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كان السلف الصالح من الصحابة والتابعين يترسمون تلك الخطى النبوية، ويستلهمون سر وحدتهم من صفاء العقيدة الخالصة التي لم تشبها شائبة؛ فأصبحوا بذلك سادة الدنيا، وفتح الله لهم أبواب الخير من كل مكان ورفعوا راية التوحيد في مشارق الأرض ومغاربها، وكل عاقل يدرك أن هذا النصر المؤزر الذي حققه الله على أيديهم لم يكن وليد الصدفة، ولم يكن بسبب كثرة العدد والعدة، وإنما تحقق ذلك بسبب اعتمادهم على الله والتوكل عليه مع الأخذ بالأسباب المشروعة، وبدئهم بالأهم قبل المهم، وانطلاقهم في دعوتهم من تحقيق كلمتي التوحيد " لا إله إلا الله محمد رسول الله "؛ لأن ذلك هو الأساس الذي أمروا أن يبدءوا به، قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (١)، وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (٢)، وقال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (٣)، وقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (٤).

ومن السنة ما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس قال: «لما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاذا إلى اليمن قال: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله (٥)». . . الحديث.

ومما يدل على أهمية العقيدة، وكونها أساس كل عمل: تكفيرها للذنوب والكبائر إذا صدرت عن إخلاص وقوة إيمان، يدل لذلك ما رواه الترمذي وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص من حديث صاحب البطاقة «حيث ينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل من البصر، ثم يؤتى ببطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة فتطيش السجلات، وتثقل البطاقة (٦)».


(١) سورة النساء الآية ٣٦
(٢) سورة الإسراء الآية ٢٣
(٣) سورة الأنعام الآية ١٥١
(٤) سورة يوسف الآية ١٠٨
(٥) صحيح البخاري المغازي (٤٣٤٧)، صحيح مسلم الإيمان (١٩)، سنن الترمذي الزكاة (٦٢٥)، سنن النسائي الزكاة (٢٤٣٥)، سنن أبو داود الزكاة (١٥٨٤)، سنن ابن ماجه الزكاة (١٧٨٣)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٣٣)، سنن الدارمي الزكاة (١٦١٤).
(٦) سنن الترمذي الإيمان (٢٦٣٩)، سنن ابن ماجه الزهد (٤٣٠٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢١٣).