وإذا فتوحيد الله تعالى، هو رأس الأمر كله، والجسد لا يستقيم بلا رأس، كما قال الرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله (١)».
وهذه نصوص صريحة دالة إلى وجوب البدء بالدعوة إلى توحيد الله تعالى، قبل جميع التكاليف؛ لأن قبول جميع التكاليف مرهون بتحقيق ذلك، وهذا ما سار عليه السلف الصالح في دعوتهم، مما حقق لهم النجاح في برهة وجيزة، أذهلت العقول، وتحطمت أمامها عروش الكفر والطغيان.
وقد استمر الأمر على هذا الحال ثم بدأ الانحراف بعد ذلك عن هذه الجادة بسب الانصراف عن الكتاب والسنة - اللذين يجب أن نأخذ العقيدة منهما - والاشتغال بالفلسفة والمنطق، اللذين لم يستفد منهما المسلمون غير تخريب العقيدة، والقيل والقال، والجدل الذي لا طائل تحته، ولا جدوى من ورائه، حتى قال قائلهم:
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
الأمر الذي حدا بكثير من الناس إلى تعطيل صفات الله - عز وجل -، أو تفويضها، أو تأويلها، أو تمثيلها، وكذلك الحال في عبادة الله - عز وجل - حيث لم يقتصر الأمر على التقيد بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح في ذلك، حتى أصبح الناس في العبادة نتيجة لجهلهم بما كان عليه السلف الصالح من صحة الاعتقاد، أصبحوا ما بين مفرط ومفرط، فالمفرطون أسرفوا في دعوى المحبة حتى أخرجهم ذلك إلى نوع من الرعونة والدعاوى التي تنافي العبودية، وتثبت الربوبية أو شيئا منها لغير الله، ومعلوم أن الرب والمعبود هو الله وحده، ومع ذلك يدعي هؤلاء دعاوى تتجاوز حدود الأنبياء والمرسلين فضلا عن عامة الناس، أو بطلب من غير الله ما لا يصلح بكل وجه إلا الله، لا يصلح للأنبياء ولا للمرسلين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: وهذا باب وقع فيه كثير من الشيوخ (يعني شيوخ المتصوفة) وسببه: ضعف تحقيق العبودية التي بينها الرسل، وحددها الأمر والنهي،
(١) من حديث طويل رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح كتاب الإيمان ٨ ما جاء في حرمة الصلاة