للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحقيقة أن المحبة لا تنافي الخشية، والمخافة بل الخوف لازم للمحبة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إذ ليس عند القلب السليم أحلى ولا ألذ، ولا أطيب ولا أسر ولا أنعم من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته لله، ومحبته له، وإخلاص الدين له ".

وذلك يقتضي انجذاب القلب إلى الله، فيصير القلب منيبا إلى الله خائفا منه، راغبا راهبا، كما قال تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} (١)، إذ المحب يخاف من زوال مطلوبه أو عدم حصول مرغوبه، فلا يكون عبد الله ومحبه، إلا بين خوف ورجاء، كما قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} (٢).

فقد دلت الآية الكريمة على أن كل عبد مخلص لله لا بد أن يكون مع عبادته بين الخوف والرجاء، وقد نص العلماء - رحمهم الله - على أنه ينبغي للمسلم أن يغلب جانب الخوف في الصحة حتى لا يأمن من مكر الله، وأن يغلب جانب الرجاء في المرض حتى لا ييأس من روح الله، والآية الكريمة نزلت في أناس من الإنس كانوا يعبدون نفرا من الجن، فأسلم الجن، وبقي الإنس على عبادتهم إياهم، فأخبر الله تعالى، أن هؤلاء المدعوين يطلبون القربة إلى الله - عز وجل - بالعمل بما يرضيه، خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه، وهذا ينطبق على كل من يدعو غير الله في الوقت الذي يكون المدعوون أحوج ما يكون إلى عبادة الله، كما يقال: (فاقد الشيء لا يعطيه)، ومع ذلك نجد كثيرا ممن انتكست فطرتهم، يعكف عند ميت في قبره، يطلب منه قضاء الحاجات، وتفرج الكربات، ويزعم أنه يعلم الغيب، ويعطي الولد، وغير ذلك، مما لا يقدر عليه إلا الله.

ولا نكاد نجد بلدا من بلاد الإسلام، إلا وفيه أنماط من هذه الطقوس التي حالت بين الناس، وبين فهم العقيدة الصحيحة، ومن هنا تبدو الحاجة ملحة إلى بيان تلك العقيدة الصافية الخالصة، التي ترتكز على نصوص الوحيين الكتاب والسنة.

فالإنسان في كل زمان ومكان، في حاجة ماسة إلى عقيدة تحدد له غايته، وتوضح


(١) سورة ق الآية ٣٣
(٢) سورة الإسراء الآية ٥٧