للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن ابن جرير بالسند إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: يقال يوم القيامة لآكل الربا خذ سلاحك للحرب وقرأ {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} (١) الآية وذلك حين يقوم من قبره (٢)، وجاء في "فتح القدير" عند تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} (٣) قوله: اختصاص هذا الوعيد بمن يأكله بل هو عام لكل من يعامل بالربا فيأخذه ويعطيه وإنما خص الأكل لزيادة التشنيع على فاعله ولكونه هو الغرض الأهم فإن آخذ الربا إنما أخذه للأكل، وقوله: {لَا يَقُومُونَ} (٤) أي يوم القيامة كما يدل عليه قراءة ابن مسعود وبهذا فسره جمهور المفسرين قالوا: إنه يبعث كالمجنون عقوبة له وتمقيتا عند أهل المحشر، وقيل: المراد تشبيه من يحرص في تجارته فيجمع ماله من الربا بقيام المجنون لأن الحرص والطمع والرغبة في الجمع قد استفزته حتى صار شبيها في حركته بالمجنون كما يقال لمن يسرع في مشية ويضطرب في حركاتها: إنه قد جن، ومنه قول الأعشى:

وتصبح من غب السرى وكأنها ... ألم بها من طائف الجن أولق

فجعلها - أي ناقته - بسرعة مشيها ونشاطها كالمجنون، وقوله: {إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ} (٥) أي إلا قياما كقيام الذي يتخبطه، والخبط: الضرب بغير استواء كخبط العشواء وهو المصروع، والمس: الجنون، والأمس: المجنون، وكذلك الأولق وهو متعلق بقوله يقومون أي لا يقومون من المس الذي بهم {إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ} (٦) أو متعلق بيقوم، وفي الآية دليل على فساد قول من قال: إن الصرع لا يكون من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع، وقال: إن الآية خارجة على ما كانت العرب تزعمه من أن الشيطان يصرع الإنسان وليس بصحيح وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من أن يتخبطه الشيطان.

كما أخرجه النسائي وغيره قوله ذلك إشارة إلى ما ذكر من مبالغة بجعلهم الربا أصلا والبيع فرعا، أي: إنما البيع بلا زيادة عند حلول الأجل كالبيع بزيادة عند حلوله، فإن العرب كانت لا تعرف ربا إلا ذلك فرد الله عليهم بقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (٧) أي أن الله أحل البيع وحرم نوعا من أنواعه وهو البيع المشتمل على الربا. والبيع


(١) سورة البقرة الآية ٢٧٥
(٢) تفسير ابن كثير، ج٢ ص ٥٤ - ٥٥.
(٣) سورة البقرة الآية ٢٧٥
(٤) سورة البقرة الآية ٢٧٥
(٥) سورة البقرة الآية ٢٧٥
(٦) سورة البقرة الآية ٢٧٥
(٧) سورة البقرة الآية ٢٧٥