والقصد وحال المتعاقدين ثم أورد جملة أحاديث تصور البيع بالعينة إلى أن قال: وأما شهادة العرف بذلك فأظهر من أن تحتاج إلى تقرير بل قد علم الله وعباده من المتبايعين قصدهما أنهما لم يعقدا على السلعة عقدا يقصدان به تملكها، ولا غرض لهما فيها بحال وإنما الغرض والمقصود بالقصد الأول، مائة بمائة وعشرين وإدخال تلك السلعة في الوسط تلبيس وعبث، وهي بمنزلة الحرف الذي لا معنى له في نفسه بل جيء به لمعنى في غيره، حتى لو كانت تلك السلعة تساوي أضعاف ذلك الثمن أو تساوي أقل جزء من أجزائه لم يبالوا بجعلها موردا للعقد لأنهم لا غرض لهم فيها، وأهل العرف لا يكابرون أنفسهم في هذا. وأما النية والقصد فالأجنبي المشاهد لهما يقطع بأنه لا غرض لهما في السلعة وإنما القصد الأول مائة بمائة وعشرين فضلا عن علم المتعاقدين ونيتهما، ولهذا يتواطأ كثير منهم على ذلك قبل العقد ثم يحضران تلك السلعة محلالا لما حرم الله ورسوله.
وأما المقام الثاني وهو أن الوسيلة إلى الحرام حرام، فبانت بالكتاب والسنة والفطرة والمعقول، فإن الله سبحانه مسخ اليهود قردة وخنازير لما توسلوا إلى الصيد الحرام بالوسيلة التي ظنوها مباحة، وسمى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون مثل ذلك مخادعة كما تقدم، وقال أيوب السختياني: يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، لو أتوا الأمر على وجهه كان أسهل. والرجوع إلى الصحابة في معاني الألفاظ متعين سواء كانت لغوية أو شرعية والخداع حرام، وأيضا فإن هذا العقد يتضمن إظهار صورة مباحة وإضمار ما هو أكبر من الكبائر فلا تنقلب الكبيرة مباحة بإخراجها في صورة البيع الذي لم يقصد نقل الملك فيه أصلا. وإنما قصده حقيقة الربا.
وأيضا فإن الطريق متى أفضت إلى الحرام فإن الشريعة لا تأتي بأختها أصلا؛ لأن إباحتها وتحريم الغاية جمع بين النقيضين، فلا يتصور أن يباح شيء ويحرم ما يفضي إليه، بل لا بد من تحريمهما أو إباحتهما. والثاني باطل قطعا فتعين الأول، وأيضا فإن الشارع إنما حرم الربا لأن فيه أعظم الفساد والضرر فلا يتصور مع هذا أن يبيح هذا الفساد العظيم بأيسر شيء يكون من الحيل (١) اهـ.