وقال مالك: يجوز أن يزاد التعزير على الحد إذا رأى الإمام؛ لما روي أن معن بن زائدة عمل خاتما على نقش خاتم بيت المال، ثم جاء به صاحب بيت المال فأخذ منه مالا، فبلغ عمر رضي الله عنه فضربه مائة وحبسه فكلم فيه، فضربه مائة أخرى فكلم فيه من بعد، فضربه مائة ونفاه.
وروى أحمد بإسناده أن عليا أتي بالنجاشي قد شرب خمرا في رمضان فجلده ثمانين الحد، وعشرين سوطا لفطره في رمضان.
وروي أن أبا الأسود استخلفه ابن عباس على قضاء البصرة فأتي بسارق قد كان جمع المتاع في البيت ولم يخرجه، فقال أبو الأسود: أعجلتموه المسكين، فضربه خمسة وعشرين سوطا، وخلى سبيله.
ولنا: حديث أبي بردة وروى الشالنجي بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ومن بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين». ولأن العقوبة على قدر الإجرام والمعصية، والمعاصي المنصوص على حدودها أعظم عن غيرها، فلا يجوز أن يبلغ في أهون الأمرين عقوبة أعظمها، وما قالوه يؤدي إلى أن من قبل امرأة حراما يضرب أكثر من حد الزنا، وهذا غير جائز؛ لأن الزنا مع عظمه وفحشه لا يجوز أن يزاد على حده فما دونه أولى.
فأما حديث معن فيحتمل أنه كانت له ذنوب كثيرة فأدب على جميعها، أو تكرر منه الأخذ، أو كان ذنبه مشتملا على جنايات أحدها تزويره، والثاني: أخذه لمال بيت المال بغير حقه، والثالث: فتحه باب هذه الحيلة لغيره وغير هذا.
وأما حديث النجاشي فإن عليا ضربه الحد لشربه، ثم عزره عشرين لفطره فلم يبلغ بتعزيره حدا، وقد ذهب أحمد إلى هذا، وروي أن من شرب الخمر في رمضان يحد، ثم يعزر لجنايته من وجهين، والذي يدل على صحة ما ذكرناه، ما روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى أن لا يبلغ بنكال أكثر من عشرين سوطا.
(فصل): والتعزيز يكون بالضرب والحبس والتوبيخ، ولا يجوز قطع شيء منه ولا جرحه، ولا أخذ ماله؛ لأن الشرع لم يرد بشيء من ذلك عن أحد يقتدى به، ولأن الواجب أدب والتأديب لا يكون بالإتلاف.
(فصل): والتعزير فيما شرع فيه التعزير واجب إذا رآه الإمام، وبه قال مالك وأبو حنيفة، وقال الشافعي: ليس بواجب؛ لأن «رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لقيت امرأة فأصبت منها ما دون أن أطأها. فقال: أصليت معنا؟ قال: نعم، فتلا عليه: