للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخمر ولهذا قال الفقهاء أنه يجب فيها الحد كما يجب في الخمر.

وتنازعوا في نجاستها على ثلاثة أوجه في مذهب أحمد وغيره فقيل: هي نجسة. وقيل: ليست بنجسة. وقيل: رطبها نجس كالخمر ويابسها ليس بنجس، والصحيح أن النجاسة تتناول الجميع كما تتناول النجاسة جامد الخمر ومائعها.

فمن سكر من شراب مسكر أو حشيشة مسكرة لم يحل له قربان المسجد حتى يصحو، ولا تصح صلاته حتى يعلم ما يقول ولا بد أن يغسل فمه ويديه وثيابه في هذا وهذا، والصلاة فرض عينية، لكن لا تقبل منه حتى يتوب أربعين يوما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوما، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشربها لم تقبل له صلاة أربعين يوما، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشربها كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال، قيل: وما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار أو عرق أهل النار (١)».

وأما قول القائل أن هذه ما فيها آية ولا حديث، فهذا من جهله، فإن القرآن والحديث فيهما كلمات جامعة هي قواعد عامة. وقضايا كلية، تتناول كل ما دخل فيها، وكل ما دخل فيها فهو مذكور في القرآن والحديث باسمه العام وإلا فلا يمكن ذكر كل شيء باسمه الخاص.

فإن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق وقال: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (٢)، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ} (٣)، وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (٤)، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (٥).

فاسم الناس والعالمين يدخل فيه العرب وغير العرب من الفرس والروم والهند والبربر، فلو قال قائل: إن محمدا ما أرسل إلى الترك والهند والبربر؛ لأن الله لم يذكرهم في القرآن، كان جاهلا كما لو قال: إن الله لم يرسله إلى بني تميم وبني أسد وغطفان وغير ذلك من قبائل العرب؛ فإن الله لم يذكر هذه القبائل بأسمائها الخاصة، وكما لو قال: إن الله لم يرسله إلى أبي جهل وعتبة وشيبة وغيرهم من قريش؛ لأن الله لم يذكرهم بأسمائهم الخاصة في القرآن.


(١) سنن الترمذي الأشربة (١٨٦٢)، سنن النسائي الأشربة (٥٦٧٠)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٧٧)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٨٩)، سنن الدارمي الأشربة (٢٠٩١).
(٢) سورة الأعراف الآية ١٥٨
(٣) سورة سبأ الآية ٢٨
(٤) سورة الفرقان الآية ١
(٥) سورة الأنبياء الآية ١٠٧