للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك لما قال: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} (١). دخل في الميسر الذي لم تعرفه العرب ولم يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم.

كل الميسر حرام باتفاق المسلمين، وإن لم يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم، كاللعب بالشطرنج وغيره بالعوض، فإنه حرام بإجماع المسلمين، وهو الميسر الذي حرمه الله، ولم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. والنرد أيضا من الميسر الذي حرمه الله، وليس في القرآن ذكر النرد والشطرنج باسم خاص، بل لفظ الميسر يعمها.

وجمهور العلماء على أن النرد والشطرنج محرمان بعوض وغير عوض، وبعد أن ذكر نظائر أخرى من النصوص يعتمد على عمومها في الاستدلال بها على إثبات الحكم لكل ما اندرج تحته من الأفراد دون حاجة إلى تعينها، قال: ولو قدر بأن اللفظ لم يتناوله وكان في معنى ما في القرآن والسنة ألحق به بطريق الاعتبار والقياس، كما دخل اليهود والنصارى والفرس في عموم الآية، ودخلت جميع المسكرات في معنى خمر العنب وأنه بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالكتاب والميزان؛ ليقوم الناس بالقسط والكتاب القرآن والميزان العدل.

والقياس الصحيح هو من العدل؛ لأنه لا يفرق بين المتماثلين بل سوى بينهما؛ فاستوت السيئات في المعنى الموجب للتحريم، لم يخص أحدها بالتحريم دون الآخر، بل من العدل أن يسوي بينهما، ولو لم يسو بينهما كان تناقضا. وحكم الله ورسوله منزه عن التناقض.

ولو أن الطبيب حمى المريض عن شيء؛ لما فيه من الضرر وأباحه له لخرج عن قانون الطب، والشرع طب القلوب، والأنبياء أطباء القلوب والأديان، ولا بد إذا أحل الشرع شيئا منه أن يخص هذا بما يفرق به بينه وبين هذا؛ حتى يكون فيه معنى خاص بما حرمه دون ما أحله. والله أعلم.

وسئل - رحمه الله تعالى - عمن يأكل الحشيشة ما يجب عليه؟

فأجاب: الحمد لله، هذه الحشيشة الصلبة حرام سواء سكر منها أو لم يسكر. والسكر منها حرام باتفاق المسلمين، ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتدا لا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين.

وأما إن اعتقد ذلك قربة وقال: هي لقيمة الذكر والفكر، وتحرك العزم الساكن إلى أشرف الأماكن، وتنفع في الطريق فهو أعظم وأكبر؛ فإن هذا من جنس دين النصارى الذين يتقربون بشرب الخمر، ومن جنس


(١) سورة المائدة الآية ٩٠