للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من يعتقد الفواحش قربة وطاعة، قال الله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (١)، ومن كان يستحل ذلك جاهلا، وقد جمع بعض الفقهاء يقول:

حرموها من غير عقل ونقل ... وحرام تحريم غير الحرام

فإنه ما يعرف الله ورسوله، وأنها محرمة والسكر منها حرام بالإجماع.

وإذا عرف ذلك ولم يقر بتحريم ذلك فإنه يكون كافرا مرتدا، كما تقدم، وكل ما يغيب العقل فإنه حرام، وإن لم تحصل به نشوة ولا طرب، فإن تغيب العقل حرام بإجماع المسلمين.

وأما تعاطي (البنج) الذي لم يسكر ولم يغيب العقل ففيه التعزير. وأما المحققون من الفقهاء فعلموا أنها مسكرة، وإنما يتناولها الفجار؛ لما فيها من النشوة والطرب، فهي تجامع الشراب المسكر في ذلك، والخمر توجب الحركة والخصومة، وهذه توجب الفتور والذلة.

وفيها مع ذلك من فساد المزاج والعقل، وفتح باب الشهوة، وما توجبه من الدياثة، مما هي من شر الشراب المسكر، وإنما حدثت في الناس بحدوث التتار إلى أن قال: (٢) نعم يجب على آكلها حد شارب الخمر.

وهؤلاء القوم ضلال جهال عصاة لله ولرسوله، وكفى برجل جهلا أن يعرف بأن هذا الفعل محرم، وأنه معصية لله ولرسوله ثم يقول: إنه تطيب له العبادة، وتصلح له حاله. ويح هذا القائل؟ أيظن أن الله - سبحانه وتعالى - ورسوله صلى الله عليه وسلم حرم على الخلق ما ينفعهم ويصلح لهم حالهم؟ نعم قد يكون في الشيء منفعة وفيه مضرة أكثر من منفعته؛ فيحرمه الله - سبحانه وتعالى-؛ لأن المضرة إذا كانت أكثر من المنفعة بقيت الزيادة مضرة محضة، وصار هذا الرجل كأنه قال لرجل: خذ مني هذا الدرهم وأعطني دينارا. فجهله يقول له: هو يعطيك درهما فخذه، والعقل يقول: إنما يحصل الدرهم بفوات الدينار، وهذا ضرر لا منفعة له، بل جميع ما حرمه الله ورسوله إن ثبت فيه منفعة ما فلا بد أن يكون ضرره أكثر.

فهذه الحشيشة الملعونة هي وآكلوها ومستحلوها الموجبة لسخط الله وسخط رسوله وسخط عباده المؤمنين، المعرضة صاحبها لعقوبة الله إذا كانت كما يقوله الضالون من أنها تجمع الهمة، وتدعو إلى العبادة، فإنها مشتملة على ضرر في دين المرء وعقله وخلقه وطبعه


(١) سورة الأعراف الآية ٢٨
(٢) في حكم أكل العبيراء للإعانة على العبادة، والعبيراء: شراب مسكر يؤخذ من الذرة.