للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأرض جميعا من المخلوقات لفعل، ولكنه لم يعمهم بالهلاك بل أجرى فيهم سنته بالإهلاك في مواقيت محدودة اقتضتها حكمته سبحانه، وكان من حكمته أنه لم يهلك عيسى عليه السلام حينما تآمر عليه اليهود، ولا بعد رفعه، وإنما رفعه حيا وأبقاه حيا حتى ينزل ويحكم ببن الناس بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يميته بعد ذلك كما تقدم.

الآية السابعة: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} (١).

الجواب: حملت مريم بعيسى عليهما السلام بلا أب، بل على خلاف السنة الكونية في غيرهما من الآيات البينات الدالة على كمال قدرة الله سبحانه، وقد آواهما الله إلى ربوة مكان مرتفع خصيب فيه استقراه وماء معين ظاهر تراه العيون، والمراد بذلك بيت المقدس من فلسطين؛ رحمة من الله بهما ونعمة من الله عليهما، وكان ذلك في فلسطين لا في بلد من بلاد باكستان، وكان ذلك قبل ميلاد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأكثر من خمسمائة عام، لا بعد هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأكثر من اثني عشر قرنا، فمن حمل الربوة على مكان بباكستان، أو تأول ابن مريم على غلام أحمد فقد حرف الآية وافترى على الله كذبا، وخرج عن واقع التاريخ.

الآية الثامنة: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} (٢).

الجواب: استدلال القاديانيين بهذه الآية على موت عيسى عليه السلام فيما مضى مبني على تفسير المتوفى بالإماتة، وهو مخالف لما صح عن السلف من تفسيره بقبض الله رسوله عيسى عليه السلام من الأرض، ورفعه إليه حيا، وتخليصه بذلك من الذين كفروا جميعا بين نصوص الكتاب والسنة الصحيحة الدالة على رفعه حيا، وعلى نزوله أخر الزمان وعلى إيمان أهل الكتاب جميعا وغيرهم به.

أما ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما من تفسير التوفي هنا بالإماتة فلم يصح سنده؛ لانقطاعه إذ هو من رواية علي بن أبي طلحة عنه، وعلي لم يسمع منه ولم يره، ولم يصح أيضا ما روي عن وهب بن منبه اليماني من تفسير التوفي بالإماتة؛ لأنه من رواية محمد بن إسحاق عمن لا يتهم عن وهب ففيه عنعنة ابن إسحاق وهو مدلس، وفيه مجهول، ثم هذا التفسير لا يزيد عن


(١) سورة المؤمنون الآية ٥٠
(٢) سورة آل عمران الآية ٥٥