للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كونه احتمالا في معنى التوفي؛ فإنه قد فسر بمعان: فسر بأن الله قد قبضه من الأرض بدنا وروحا، ورفعه إليه حيا وفسر بأنه أنامه ثم رفعه، وبأنه يميته بعد رفعه ونزوله آخر الزمان؛ إذ الواو لا تقتضي الترتيب، وإنما تقتضي جمع الأمرين له فقط.

وإذا اختلفت الأقوال في معنى الآية وجب المصير إلى القول الذي يوافق ظواهر الأدلة الأخرى؛ جمعا بين الأدلة وردا للمتشابه منها إلى المحكم، كما هو شأن الراسخين في العلم، دون أهل الزيغ الذين يتبعون ما تشابه من التنزيل؛ ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله. وقانا الله شرهم.

الآية التاسعة: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} (١).

الجواب: الاستدلال بالآية على موت عيسى عليه السلام، قبل رفعه إلى السماء، أو بعد رفعه، وقبل نزوله آخر الزمان، مبني على تفسير التوفي بالإماتة كما سبق في الكلام على الآية الثامنة، وقد تقدم أن هذا التفسير غير صحيح، وأنه على خلاف ما فسره به السلف جمعا بين نصوص الأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة.

الآية العاشرة: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} (٢).

الجواب: هذه الكلمة مما حكاه الله سبحانه في القرآن، من كلام عيسى عليه السلام في المهد، وفيها أنه سبحانه أمره بالصلاة والزكاة ما دام حيا، وليس فيها تحديد لحياته ولا بيان لوقت مماته، وقد بينت ذلك الآيات التي تقدم ذكرها، فيجب حمل المجمل على المفصل من النصوص، وألا يضرب بعضها ببعض، ولا يوقف عند الذي يتشابه؛ فإن جميع ذلك من عند الله يبين بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا.

الآية الحادية عشرة: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} (٣)


(١) سورة المائدة الآية ١١٧
(٢) سورة مريم الآية ٣١
(٣) سورة مريم الآية ٣٣