للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد رأيت مقالا سيئا لبعض المعاصرين زعم في أوله أن معية الله لخلقه معية ذاتية تليق بجلاله وعظمته، وأنها لا تقتضي اختلاطا بالخلق ولا حلولا في أماكنهم. وقال في آخر مقاله: وهكذا نقول في المعية نثبت لربنا معية ذاتية تليق بعظمته وجلاله، ولا تشبه معية المخلوق للمخلوق، ونثبت مع ذلك علوه على خلقه واستواءه على عرشه على الوجه اللائق بجلاله، ونرى أن من زعم أن الله تعالى بذاته في كل مكان فهو كافر أو ضال إن اعتقده، وكاذب إن نسبه إلى غيره من سلف الأمة أو أئمتها، فعقيدتنا أن لله تعالى معية ذاتية تليق به، وتقتضي إحاطته بكل شيء علما وقدرة وسمعا وبصرا وسلطانا وتدبيرا، وأنه سبحانه منزه أن يكون مختلطا بالخلق أو حالا في أمكنتهم، بل هو العلي بذاته وصفاته، وعلوه من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها، وأنه مستو على عرشه كما يليق بجلاله، وأن ذلك لا ينافي معيته. ثم صرح أنه قال ذلك مقررا له ومعتقدا له منشرحا له صدره.

وأقول: لا يخفى على من له علم وفهم ما في كلام الكاتب من التناقض والجمع بين النقيضين، وموافقة من يقول من الحلولية أن الله بذاته فوق العالم، وهو بذاته في كل مكان، وما فيه من مخالفة الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها.

فأما التناقض ففي تقريره لمعية الله الذاتية لخلقه مع زعمه أن هذه المعية الذاتية لا تقتضي الاختلاط بالخلق ولا الحلول في أماكنهم، ولا يخفى على عاقل أن المعية الذاتية للخلق تستلزم مخالطتهم والحلول في أماكنهم، وعلى هذا فمن أثبت المعية الذاتية للخلق، ونفى مخالطتهم والحلول في أماكنهم فقد تناقض شاء أم أبى.

وأما الجمع بين النقيضين ففي تقريره لمعية الله الذاتية لخلقه مع زعمه أن الله مستو على عرشه، وأنه العلي بذاته وصفاته، وأن علوه من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها. فقد جمع في هذا التقرير بين إثبات صفة العلو لله تعالى وإثبات ضدها، وهي صفة السفل الذي تستلزمه المعية الذاتية للخلق، وعلى هذا فمن أثبت المعية الذاتية للخلق، وأثبت مع ذلك أن علو الرب من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها فقد جمع بين النقيضين شاء أم أبى.

وأما الموافقة لبعض القائلين بالحلول فإنه لازم لمن زعم أن معية الله لخلقه معية ذاتية؛ لأنه يلزم على هذا القول الباطل أن يكون الله مع الخلق في الأرض، وأن يكون مخالطا لهم، وحالا معهم في أماكنهم. وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في