للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأين كانوا فقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ} (١) أي: من سر ثلاثة، {إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (٢) أي: مطلع عليهم، يسمع كلامهم وسرهم ونجواهم، ورسله - أيضا مع ذلك - تكتب ما يتناجون به مع علم الله به، وسمعه له.

ولهذا حكى غير واحد الإجماع على أن المراد بهذه الآية معية علمه تعالى، ولا شك في إرادة ذلك، ولكن سمعه أيضا مع علمه بهم، وبصره نافذ فيهم، فهو سبحانه وتعالى مطلع على خلقه، لا يغيب عنه من أمورهم شيء، ثم قال تعالى: {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (٣) قال الإمام أحمد: افتتح الآية بالعلم واختتمها بالعلم. انتهى.

فهذا ما تيسر إيراده من أقوال أكابر العلماء في إثبات العلو لله تعالى، وأنه فوق جميع المخلوقات مستو على عرشه، بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، وأن معيته لخلقه معية العلم والإحاطة، والاطلاع، والسماع، والرؤية، وأن له معية خاصة مع أنبيائه وأوليائه، وهي معية النصر والتأييد والكفاية، ولم يأت في القرآن ولا في السنة، ولا في أقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، ما يدل على أن معية الله لخلقه معية ذاتية، وإنما جاء ذلك عن بعض أهل البدع، وهم الذين يقولون: إن الله بذاته فوق العالم، وهو بذاته في كل مكان. وهذا قول باطل مردود بالأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة والإجماع، وقد تقدم بيان ذلك في أول الكتاب فليراجع.

وكلام أكابر العلماء المتأخرين في المائة الثامنة من الهجرة فما بعدها في إثبات العلو، والرد على من قال بخلاف ما عليه أهل السنة والجماعة كثير جدا، وفيما ذكرته عن المتقدمين كفاية إن شاء الله تعالى.


(١) سورة المجادلة الآية ٧
(٢) سورة المجادلة الآية ٧
(٣) سورة المجادلة الآية ٧