للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكون القرآن عربيا؛ ليعقله من يفهم العربية، يدل على أن معناه معلوم وإلا لما كان فرق بين أن يكون باللغة العربية أو غيرها.

وبيان النبي صلى الله عليه وسلم القرآن للناس شامل لبيان لفظه وبيان معناه.

وأما العقل فلأن من المحال أن ينزل الله تعالى كتابا أو يتكلم رسوله صلى الله عليه وسلم بكلام يقصد بهذا الكتاب، وهذا الكلام أن يكون هداية للخلق، ويبقى في أعظم الأمور وأشدها ضرورة مجهول المعنى بمنزلة الحروف الهجائية التي لا يفهم منها شيء؛ لأن ذلك من السفه الذي تأباه حكمة الله تعالى، وقد قال الله تعالى عن كتابه: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (١).

هذه دلالة السمع والعقل على علمنا بمعاني نصوص الصفات.

وأما دلالتهما على جهلنا لها باعتبار الكيفية.

فمن السمع قوله تعالى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} (٢)، وقوله: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (٣). ومن المعلوم أنه لا علم لنا بكيفية صفات ربنا؛ لأنه تعالى أخبرنا عنها ولم يخبرنا عن كيفيتها، فيكون تكييفنا قفوا لما ليس لنا به علم، وقولا بما لا يمكننا الإحاطة به.

وأما العقل فلأن الشيء لا تعرف كيفية صفاته إلا بعد العلم بكيفية ذاته، أو العلم بنظيره المساوي له، أو بالخبر الصادق عنه، وكل هذه الطرق منتفية في كيفية صفات الله - عز وجل - فوجب بطلان تكييفها.

وأيضا فإننا نقول: أي كيفية تقدرها لصفات الله تعالى؟

إن أي كيفية تقدرها في ذهنك فالله أعظم وأجل من ذلك.

وأي كيفية تقدرها لصفات الله تعالى فإنك ستكون كاذبا فيها؛ لأنه لا علم لك بذلك.


(١) سورة هود الآية ١
(٢) سورة طه الآية ١١٠
(٣) سورة الإسراء الآية ٣٦