للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأخبر أنه فوق العرش يعلم كل شيء وهو معنا أين ما كنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأوعال «والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه (١)». أ. هـ.

واعلم أن تفسير المعية بظاهرها على الحقيقة اللائقة بالله تعالى لا يناقض ما ثبت من علو الله تعالى بذاته على عرشه وذلك من وجوه ثلاثة:

الأول: أن الله تعالى جمع بينهما لنفسه في كتابه المبين المنزه عن التناقض وما جمع الله بينهما في كتابه فلا تناقض بينهما.

وكل شيء في القرآن تظن فيه التناقض فيما يبدو لك فتدبره حتى يتبين لك لقوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (٢) فإن لم يتبين لك فعليك بطريق الراسخين في العلم الذين يقولون: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} (٣) وكل الأمر إلى منزله الذي يعلمه واعلم أن القصور في علمك أو في فهمك وأن القرآن لا تناقض فيه.

وإلى هذا الوجه أشار شيخ الإسلام في قوله فيما سبق: كما جمع الله بينهما.

وكذلك ابن القيم كما في مختصر الصواعق لابن الموصلي (٤) في سياق كلامه على المثال التاسع مما قيل إنه مجاز قال: وقد أخبر الله أنه مع خلقه مع كونه مستويا على عرشه وقرن بين الأمرين كما قال تعالى (وذكر آية سورة الحديد) ثم قال: فأخبر أنه خلق السماوات والأرض وأنه استوى على عرشه وأنه مع خلقه يبصر أعمالهم من فوق عرشه كما في حديث الأوعال: «والله فوق العرش يرى ما أنتم عليه (٥)» فعلوه لا يناقض معيته، ومعيته لا تبطل علوه بل كلاهما حق. ا. هـ.

الوجه الثاني: أن حقيقة معنى المعية لا يناقض العلو فالاجتماع بينهما ممكن في حق المخلوق فإنه يقال: ما زلنا نسير والقمر معنا ولا يعد ذلك تناقضا ولا يفهم منه أحد أن القمر نزل في الأرض، فإذا كان هذا ممكنا في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل


(١) رواه الترمذي في التفسير باب ومن سورة الحاقة بهذا المعنى كما رواه بهذا المعنى ابن ماجه في المقدمة وأبو داود في باب في الجهمية وقال الترمذي حديث حسن صحيح
(٢) سورة النساء الآية ٨٢
(٣) سورة آل عمران الآية ٧
(٤) ص ٤١٠ طبعة الإمام.
(٥) رواه الترمذي وابن ماجه وأبو داود بهذا المعنى.