(أ) الحواس - كل إنسان مزود بمجموعة من الحواس يستطيع أن يدرك بها جانبا واحدا من الحياة وهو: المحسوسات فقط، فالعين تبصر الأشياء المحسوسة، والأذن تسمع الأصوات، والفم يتذوق المطعومات والمشروبات، والأنف يشم الروائح، واليد تلمس الأشياء فتعرف بعض مظاهرها كالحرارة والبرودة وما شابه ذلك.
هذه هي الأشياء التي يمكن أن تعرف بالحس فقط، علما بأنها كذلك غير موثوقة فقد تتعرض أحيانا للخداع فتعطي معلومات خاطئة.
فالبصر أحيانا يرى السراب في شدة الظهيرة، ويعطي للعقل معلومات بأن هناك ماء، وهو في هذه الحالة مخدوع بهذه الرؤية.
وقد يرى الجسم المستقيم الذي يكون في الإناء الذي به ماء منكسرا وهو في الحقيقة ليس كذلك.
والحواس الأخرى قد تتعرض لشيء من ذلك الخداع فهي رغم أنها وسيلة صادقة إلا أنها قد تخدع في بعض معلوماتها.
(ب) العقل - إن من أعظم النعم على هذا الإنسان ما زوده الله عز وجل به من تلك القوة العجيبة، التي لا يستحق الإنسان وصف الإنسانية إلا بها ألا وهي " قوة التعقل "، إذ لولاها لكان الإنسان في عداد الحيوانات.
ولما كان العقل شيئا لا يحس، وإنما يدرك بأثره لأنه ليس شيئا محسوسا، فإن وظيفته تتناسب مع حقيقته، فهو يدرك الجانب الثاني من الحياة وهو ما كان خارجا عن دائرة الحس،. . وإن كان هناك تلازم بين عمل الحس والعقل، إذ لولا العقل لما كان للحواس فائدة في المعرفة.
ونستطيع أن نقول: إن العقل يدرك بواسطة الحس كما أن الحس يدرك بواسطة العقل، وإن كان في هذا القول تجوز في التعريف، ولكنه أقرب إلى الحقيقة مع اتساع الدائرة التي يعمل فيها العقل. . . إذ إن هناك قوى يعمل من خلالها العقل كقوة التخيل