فالمنافذ التي توصل المعلومات إلى العقل هي الحواس الخمس. فإذا رأى - مثلا - في بلده جبلا كبيرا ثم قيل له: إن في البلد الفلاني جبلا كبيرا جدا فإنه يستعيد صورة الجبل التي رآها ثم يضخمها حتى تتناسب مع وصف الجبل الثاني.
ولو قيل لإنسان لا يعرف الفيل: إن الفيل حيوان كبير لتصور أكبر حيوانات بلده ثم قارنه به.
ولوكان للذرة الصغيرة عقل وهي لا تعرف الفيل، ثم قيل لها: إن الفيل حيوان ضخم جدا، لتصورته مثل أكبر ذرة من الذر أو أكبر نملة من النمل الذي تقرب صورته من الذر.
ومهما حاول صاحب العقل أن ينفك من آثار المعلومات الحسية فإنه لا يستطيع، فلو حدث بأشياء ليس لها مثال ولا شبيه محسوس لصعب عليه تصديق ذلك.
فلو قيل له قبل ألف سنة: إن الإنسان سيطير في الهواء ويغوص في الماء، ويرى إنسان الصين إنسان الأندلس، ويسمع صوته لاتهم المتكلم بالسفه والجنون؛ لأن ذلك لم يره ولم يسمع عنه من قبل.
ولو أن أحد الأعراب في البادية، دخل بعض المدن إبان ظهور الأجهزة الإذاعية ثم رجع إلى قومه وأخبرهم بأنه رأى حديدا يتكلم، بدون أسنان ولا لسان ولا شفتين ولا رئة لما صدقوه ولاتهموه بالسفه والجنون.
وما ذلك إلا لأنهم لم يألفوا ذلك المنظر ولم يشاهدوه أو يشاهدوا مثله من قبل. وكذلك فإنهم لا يستطيعون أن يدركوا شيئا على خلاف ذلك.
فهم مأسورون لحواسهم، لا يستطيعون أن يحكوا بخلاف ما عرفوه وشاهدوه. ولكن العقل رغم ذلك قادر على معرفة بعض الأمور التي لا تخضع للحس بواسطة الاستنتاج والملاحظة.
فإذا رأى - مثلا - قطعة حديد تجذب حولها قطعا أخرى من الحديد حكم بأن بها قوة مغناطيسية.