للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا رأى شمعة مضاءة، حكم بأن التيار الكهربائي متصل بها - وإذا رأى ماء يغلي عرف أن بجانبه طاقة حرارية. . . وهكذا وهكذا يصدر حكمه بوجود شيء بناء على وجود شيء آخر، هو أثر له أو سببه الملازم له. ولكنه لا يستطيع وصف ذلك المحكوم بوجوده: وهو المغناطيس والكهرباء والحرارة - لأنه لم يرها ولم ير شبيها بها فحكمه لا يستطيع مجاوزة الإثبات. هذا تعريف موجز للحواس البشرية ومدى ما يمكنها معرفته.

فالعقل إذن صالح لمعرفة خالقه عز وجل وأنه هو الخالق الموجد، ولكنه لا يستطيع معرفة صفاته وأسمائه، ولا معرفة ما يحبه وما يكرهه، وهذه أمور ليس في مقدور العقل إدراكها أو معرفتها بنفسه استقلالا. وإذا ما حاول ذلك بنفسه فإنه يضل السبيل ويتعثر في المسير. . ثم حتى معرفته لها إنما هي معرفة وجود لا كيفية كما قال مالك رحمه الله: (الاستواء معلوم والكيف مجهول) (١).

وقد حاول جماعة من علماء الكلام أن يصلوا إلى معرفة أسماء الله وصفاته بعقولهم، فكانت نتيجتهم الحيرة والضلال، ثم ندموا واعترفوا بقصور العقل من ذلك، وفيما يلي نماذج من كلامهم.

يقول الرازي:

نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وغاية دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن. اقرأ في الإثبات: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (٢)، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (٣).


(١) راجع كتاب " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " للالكائي (رقم: ٦٦٤).
(٢) سورة طه الآية ٥
(٣) سورة فاطر الآية ١٠