للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويتضمن زعم ابن عجيبة بهتا آخر على الرسول عليه الصلاة والسلام وهو تخصيص آل البيت بشيء من العلم والدين لا يعلمه سائر الصحابة حتى أبو بكر وعمر وعثمان.

ومن جهة أخرى أن المعروف من معاني الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام الإيمان بأنه عليه الصلاة والسلام بين ما أنزل عليه وما أوحي إليه، بلاغا عاما شاملا، وأنه أمين الله على وحيه، وكلام ابن عجيبة الذي يتحدث عن واضع علم التصوف - على حد تعبيره - يتنافى وهذا الإيمان كما ترى.

وأما تخصيص آل البيت بشيء من العلم والدين دون غيرهم، فهذه فكرة موروثة ورثتها الصوفية من أسيادهم (الشيعة)، وقد نفى هذا الزعم علي بن أبي طالب نفسه، حيث روى مسلم حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: «كنت عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأتاه رجل فقال: ما كان النبي يسر إليك؟ فغضب وقال: ما كان النبي عليه الصلاة والسلام يسر إلي شيئا يكتمه الناس غير أنه قد حدثني بكلمات أربع. قال: فقال: ما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله من لعن والديه. لعن الله من ذبح لغير الله. لعن الله من آوى محدثا. لعن الله من غير منار الأرض (١)».

ثم إن كلام ابن عجيبة ووراءه ابن عربي وابن الفارض وغيرهما من كبار مشايخ الصوفية يتضمن أن أبا بكر وعمر وعثمان لا يعلمون بعض الأمور - وهي من الدين - قد يعلمها مشايخ الصوفية وهو ما سموه حقيقة أو تصوفا، وهل يعتبر دينا ما لم يعلمه أبو بكر وعمر وعثمان، وقد أمرت الأمة بالأخذ بسنتهم والاقتداء بهم «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي (٢)» الحديث «اقتدوا بالذين من بعدي - وأشار إلى أبي بكر وعمر (٣)».

وأما ابن الفارض فقد تحدث عن دين الصوفية بإسهاب في تائيته الكبرى، ودين الصوفية الذي انتهى إليه كبار الصوفية ويشمر عن ساعد الجد صغار الصوفية للوصول إليه هو (وحدة الوجود) واعتقاد أن الله سبحانه وتعالى عين هذا الوجود، وهي زندقة تحملها أبيات تائية لابن الفارض، فلنسمع بعضها إذ يقول ما هو كفر بواح لدى كل فقيه:


(١) صحيح مسلم - كتاب الأضاحي - حديث ٤٣ - ٤٥ جـ ٤ عبد الباقي ص١٥٦٧.
(٢) أبو داود - كتاب السنة من حديث طويل - ٤٦٠٧، والترمذي في العلم حديث ٢٦٧٨.
(٣) ابن ماجه.