للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما الشاطبي: فقد استدل في: الموافقات، على جواز ترجمة معاني القرآن بالقياس على ما هو حاصل من إجماع الأمة على تفسيره للعامة ومن ليس له من الفهم ما يقوى به على إدراك كل معانيه الدقيقة، وما الترجمة إلا تفسير وإيضاح لغير العربي؛ حتى يفقه القرآن وأحكامه، ويتدبر معانيه ومقاصده.

وأما البخاري: فإنه يستدل في " صحيحه " إلى جواز ترجمة معاني القرآن إلى لغات الأعاجم بالقياس على ما كان من ترجمة التوراة إلى العربية بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم. فقد روى في باب ما يجوز من تفسير التوراة وكتب الله بالعربية وغيرها هذا الرأي استنادا لقوله تعالى: {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (١)، وذكر ما أخبر به ابن عباس عن أبي سفيان بن حرب من أن هرقل دعا ترجمانه ليقرأ كتاب النبي ويترجمه إليه، ونص الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (٢) فقرأ الترجمان الرسالة وترجمها إلى هرقل ليعيها ويفهم ما جاء بها.

وأورد البخاري أيضا ما رواه محمد بن بشار مرفوعا إلى أبي هريرة، قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، (٤)».

وأورد بسنده أيضا حديث ابن عمر قال: «أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة من اليهود قد زنيا، فقال لليهود: ما تصنعون بهما؟ قالوا: نسخم وجهيهما ونخزيهما، قال: فجاءوا بها، فقالوا لرجل ممن يرضون: يا أعور، اقرأ، فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها فوضع يده عليه، قال - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيه آية الرجم تلوح، فقال (أي اليهودي القارئ): إن عليهما الرجم،


(١) سورة آل عمران الآية ٩٣
(٢) سورة آل عمران الآية ٦٤
(٣) صحيح البخاري تفسير القرآن (٤٤٨٥).
(٤) سورة البقرة الآية ١٣٦ (٣) {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}
(٥) صحيح البخاري التوحيد (٧٥٤٣)، صحيح مسلم الحدود (١٦٩٩)، سنن أبو داود الحدود (٤٤٤٦)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٥٦)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٥)، موطأ مالك الحدود (١٥٥١)، سنن الدارمي الحدود (٢٣٢١).