للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكنا نكاتمه بيننا، فأمر بهما فرجما، فرأيته يجنأ. عليها الحجارة (٢)».

والبخاري يستنبط من ذلك كله جواز ترجمة معاني القرآن إلى لغات الأعاجم أخذا بالقياس على ترجمة التوراة.

وقد علق صاحب فتح الباري على ما ورد في الحديث الشريف من قوله تعالى: {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا} (٣) الآية. فقال: وجه الدلالة عند الإمام البخاري، أن التوراة بالعبرانية، فقضية ذلك الإذن في التعبير عنها بالعربية، وعكس ذلك يجوز أيضا بحكم قياس المساوي، فيجوز التعبير عن القرآن العربي بالعبرانية وغيرها، إذ لا فرق. . بل قد يقال: إن القرآن أولى لأن رسالته عامة، فالضرورة قاضية بترجمة معانيه، بخلاف التوراة فترجمتها للحاجة أو للكمال لا للضرورة لعدم عموم رسالة موسى عليه السلام.

وعلق أيضا صاحب فتح الباري على الحديث الذي ذكره البخاري عن ابن عباس عن أبي سفيان السابق ذكره، فقال: ووجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل باللسان العربي، وهرقل لسانه رومي، ففيه إشعار بأنه اعتمد في إبلاغه ما في الكتاب على من يترجم عنه بلسان المبعوث إليه ليفهمه، والمترجم المذكور هو الترجمان، وكذا وقع، بل الحديث واضح الدلالة في جواز ترجمة معاني القرآن لغير العربية؛ لأن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم مشتمل على آية قرآنية وهي: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} (٤) الآية. وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم بها للنجاشي ملك الحبشة أيضا، ولملك الفرس كذلك، والثلاثة أعاجم لا يعرفون العربية، ولا يخفى أن في ذلك إذنا ضمنيا منه - عليه الصلاة والسلام - في ترجمة معنى هذه الآية للغات المذكورة كلها، وقد جاء في الصحيح عن أبي سفيان بن حرب، أن هرقل لما جاءه الكتاب أمر ترجمانه فترجمها له، وما جاز في آية واحدة يجوز مثله في سائر القرآن على الإطلاق.

وعلق أيضا على حديث أبي هريرة بأن بعضهم استدل على جواز قراءة القرآن بالفارسية، وأيد ذلك بدليل آخر هو أن الله حكى في القرآن الكريم قول الأنبياء كقول


(١) سورة آل عمران الآية ٩٣ (٥) {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}
(٢) جنأ: أكب وحدب، أي أشرف كاهله على صدره، واجتنأ عليه: أكب عليه يقيه. (١)
(٣) سورة آل عمران الآية ٩٣
(٤) سورة آل عمران الآية ٦٤