للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبقت ففي خلال الخمسين عاما الأولى للاستيطان الأوروبي لأفريقيا تضاعف عدد المسلمين في غرب أفريقيا.

فبعد هزيمة المقاومة الإسلامية الأفريقية المسلحة على يد الاستعمار الإنجلو - فرنسي، ومقتل آخر المجاهدين الأفارقة، وهو الحاج عمر بن سعيد طال لم يجد الأفارقة غير الإسلام حصنا، يقاومون به حضارة الغزاة ودياناتهم القادمة معهما، إذا ارتبطت الكنيسة بالاستعمار الجشع، وبتجارة العبيد وذلك بالرغم من أن سلطات الاحتلال الأوروبي احتكرت التعليم والمدارس وربطتها بالكنيسة، وجعلت اعتناق المسيحية شرطا أساسيا لمن يريد الحصول على قدر معين من التعليم، كما استخدمت الطب، فجعلت المستشفى كنيسة ومدرسة، أو جعلت الكنيسة مستشفى ومدرسة، ومن سخرية التاريخ أن نظام جعل دور العبادة دارا للتعليم، ومورستانا للعلاج، نظام أخذه الأوربيون من الشرق الإسلامي، إبان الحروب الصليبية، وطبقوه في حركة التبشير المسيحي. وبالرغم من كل هذه المغريات، لم يتزحزح سكان غرب أفريقيا قيد أنملة من إسلامهم، بل على العكس ازدادوا إيمانا على إيمانهم وتمسكوا به دفاعا عن وجودهم وهويتهم الحضارية في مواجهة غاز مستعمر يريد أن يصبغهم بلون فكره وحضارته.

ويقول المؤرخ كرودر crowder، إنه في خلال الخمسين سنة الأولى لبداية الاستعمار كان حوالي ٣٤% من سكان غرب أفريقيا مسلمين، وهو مما يقرب من ٢٠٠٦٧٠٠٠ نسمة، بينما لم يزد عدد من اعتنقوا المسيحية على ٤. ٥% رغم كل الدعم والتأييد للمسيحية (١).

ولقد حار المؤرخون الأوروبيون في أسباب هذه الظاهرة، التي خيبت آمالهم، فتساءل كرودر عن أسباب الانتشار التلقائي السريع للإسلام في أفريقيا، بينما يتعثر انتشار المسيحية؟ فيقول: " لقد كان للإسلام ميزة كبرى، وهي أنه كان قد استوطن أفريقيا منذ وقت أسبق بكثير من وصول المسيحية إلى غرب أفريقيا، كما أن نشاط التبشير المسيحي (كما يدعي) لم يصبح ملحوظا بالمقارنة، إلا منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ويدعي كرودر أيضا أن الاحتلال الأوروبي لغرب أفريقيا فتح أمام المسلمين الحواجز، التي كان الوثنيون الأفريقيون قد وضعوها في وجه الزحف الإسلامي (٢). ففي أرجونجو - وهي إحدى المقاطعات التي تسكنها قبائل الهوسا النيجيرية - دخل السكان بالكامل في


(١) ٢ - M. Crowder، West Africa Under Colonial Rule، Hutchinson of ondon، ١٩٦٨، p. ٣٥٦
(٢) ٣ - Trimingham، Islam in West Africa: The Report، p. ١٩.