للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدين الإسلامي عام ١٩٢٢، وكانوا قد ظلوا لمائة عام يرفضون اعتناقه على يد أشقائهم من قبائل الفولاني المسلمة. ويستطرد كرودر فيقول: " كذلك فإن المقاومة المسلحة لانتشار الإسلام من جانب الوثنيين قد وضع لها نهاية (يقصد على أيدي الاستعمار الأوروبي)، وفضلا عن ذلك فإن الزحف الإسلامي بين القبائل الأفريقية لم يلتزم بحدود سياسية معينة كما هو الحال بالنسبة للمسيحية في مناطق النفوذ الأوروبي المختلفة. إلى جانب أن الإسلام لم يرتبط بالاستعمار أو الاستغلال كما هو الحال بالنسبة للمسيحية، التي اتخذت ستارا لسلب الشعوب حريتها وخيراتها (١)، بل على العكس كان الإسلام دين المظلومين المقهورين، الباحثين عن العدل والحرية، وهناك لشيء آخر ذكره المؤرخون الأوروبيون في دراستهم لظاهرة الانتشار التلقائي للإسلام في أفريقية، وهو أنه دين تعمقت جذوره في الأرض الأفريقية من مئات السنين قبل مجيء الأوروبيين، بينما بقيت المسيحية هي دين الرجل الأوروبي المستوطن (٢).

ويعترف كرودر في مرارة، أن الإسلام يناسب المجتمع الأفريقي أكثر من المسيحية (٣)، فأركان الإسلام واضحة سهلة، وهو دين يسر لا عسر، فهو لا يطلب من الوثني سوى أن ينطق بالشهادتين: " أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله "، بعدها يصبح عضوا له كامل الحقوق والواجبات في المجتمع الإسلامي. بينما نجد المسيحية تشترط عملية طويلة تبدأ بالتعميد، والتكفير المطلق لسابق حياته ومعتقداته، ثم تبدأ في تشكيله من جديد، وتفرض عليه قراءة التوراة والأناجيل، وفهم الفلسفات الكنسية المعقدة للمذاهب والمجامع الكهنوتية المتصارعة، وهو أمر مرهق للعقلية الأفريقية التي لا تعرف التعقيد. وقد تساءل أحد القساوسة الأفريقيين محتجا: " لماذا تحمل الكنيسة المتحولين إلى المسيحية ما هو فوق طاقتهم؟ " (٤)، ويضيف كرودر سببا آخر وهو أن الأفريقي لم يقتنع أبدا بفكرة الزواج المفرد، أي تحريم الجمع بين أكثر من زوجة، وتحريم الطلاق، وتحريم الزواج من المطلقات، فطبقا للشريعة المسيحية " من تزوج بمطلقة فإنما يزني بها "، بينما تسمح الشريعة الإسلامية بالزواج حتى أربع، بشرط أن يعدل الزوج بينهن، ويبيح الطلاق، فنجد البعثات التبشيرية المسيحية ترغم الأفريقيين على تسريح باقي الزوجات، فيما عدا أقدمهن عمرا، وهي الزوجة الأولى، وهو أمر صعب بالنسبة للرجل الأفريقي. كما يحلل المؤرخون الأوربيون تغلب انتشار الإسلام على المسيحية في أفريقيا بأن


(١) ٤ - M. Crowder، op.، p. ٣٥٧.
(٢) ٥ - Thomas Hodgkin، Nationalism in Colonial Africa، ondon، ١٩٢٦، p. ٩٤.
(٣) ٦ - Crowder، ibidem.
(٤) ٧ - Crowder، ibidem.