للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التبشير الإسلامي يسعى لإقناع جماعات وقبائل بأكملها للدخول فيه، وذلك عن طريق إقناع شيخ القبيلة أو زعيم القوم، وبالتالي يعتنق الإسلام أتباع هذا الزعيم، فيكون انتشاره انتشارا جماعيا، بينما تركز المسيحية على التنصر الفردي، مما يجعل انتشارها بطيئا للغاية بالنسبة للإسلام. ولقد لاحظ أحد القساوسة الأفريقيين هذه الظاهرة الإسلامية في التبشير، وكان اسمه الأب كروذر ( crowth٠er) ، فحاول تقليدها في طريقة التبشير بالمسيحية فكان محل نقد شديد من جانب القساوسة الأوربيين، فاتهموه بالتساهل في تطبيق شروط المسيحية، وتعاليم الكنيسة كما وضعتها المجمعات الكهنوتية والكنسية، كما اتهموه بالتقاعس في محو الأفكار الدينية الأفريقية قبل تطبيق الفكر الكنسي "، فبينما نجد المبشرين المسيحيين صارمين في " غسل دماغ " الأفريقي، من كل تراثه القومي، نجد الإسلام يتعايش مع هذا التراث، ولا يرجو من المسلم أن يكون قديسا في يوم وليلة إنما يحاول أن يكون مسلما كلما استطاع، فالناس سواسية كأسنان المشط لا فرق بين أبيض وأسود، ولا أصفر ولا أحمر إلا بالتقوى، إذ يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (١) بينما نجد المسيحية الأوربية تمارس التفرقة العنصرية، وتعتبر الرجل الأسود - حتى وإن كان مسيحيا - أدنى مرتبة من الرجل الأبيض. بل مورست التفرقة العنصرية داخل الكنائس فنجد في جنوب أفريقيا كنائس للبيض، وأخرى للسود. بينما نجد المسجد الإسلامي جامعا لكافة المصلين " فإذا ما مست الأرض الجباه فالرعية والولاة متساوون في خشوعهم أمام الله ".

لقد واجه الإسلام المسيحية على الأرض الأفريقية متحدا، لأن الاختلاف بين المذاهب الإسلامية ليس في جوهر الإسلام، إنما خلاف بسيط في أراء الأئمة، والمسلمون مهما اختلفت مذاهبهم ملتزمون بالقرآن الكريم والسنة النبوية. بعكس الحال في المسيحية التي انقسمت إلى ملل وكنائس، بعد اختلافها في جوهر العقيدة ذاتها، بل إن درجة العداء بين الكنيسة الكاثولوكية والبروستانتية وصل إلى حد تكفير كل فريق للآخر، ولعلنا نجد مثالا على ذلك في أيامنا هذه من درجة الصراع الدموي بين سكان البلد الواحد، مثلما هو الحال في إيرلندا التي يتقاتل شعبها المنقسم إلى طائفة كاثوليكية،


(١) سورة الحجرات الآية ١٣