للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحبونه. . فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على صدره وقال: اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه وحصن فرجه، فلم يكن شيء أبغض منه إليه (يعني الزنى) (١)».

(قال شيخ الإسلام): وينبغي أن يكون الداعي حليما صبورا على الأذى، فإن لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح كما قال (لقمان لابنه): {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (٢)

ولهذا أمر الله الرسل وهم أئمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصبر، كقوله لخاتم الرسل صلى الله عليه وسلم: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} (٣) فقرن الصبر ببدء تبليغ الرسالة، فإن أول ما أنزلت عليه سورة (المدثر) بعد أن أنزلت عليه (اقرأ) التي بها نبئ فقال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} (٤) {قُمْ فَأَنْذِرْ} (٥) {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} (٦) {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (٧) {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (٨) {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} (٩) {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} (١٠)

فافتتح آيات الإرسال إلى الخلق بالأمر بالنذارة وختمها بالصبر. . ونفس الإنذار أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فعلم أنه يجب بعد ذلك الصبر وقال: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} (١١) {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} (١٢) وقال: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} (١٣) وفي قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (١٤) (. . أي: ادع إلى سبيل ربك بالمقالة المحكمة الصحيحة، وهو: الدليل الموضح للحق المزيح للشبهة. والموعظة الحسنة: أي: العبر اللطيفة، والوقائع المخيفة ليحذروا بأسه تعالى. وجادلهم بالتي هي أحسن: أي: جادل معانديهم بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين وحسن الخطاب من غير عنف، فإن ذلك أبلغ في تسكين لهبهم، وفي الآية الحث على الإنصاف في المناظرة واتباع الحق، والرفق والمداراة على وجه يظهر منه أن القصد إثبات الحق وإزهاق الباطل، وأن لا غرض للداعي سواه. .

(قال ابن القيم - رحمه الله تعالى) على هذه الآية: ذكر سبحانه مراتب الدعوة وجعلها (ثلاثة أقسام) بحسب حال المدعو: فإنه إما أن يكون طالبا للحق محبا له مؤثرا له على غيره إذا عرفه. . فهذا يدعي بالحكمة ولا يحتاج إلى موعظة وجدال، وإما أن يكون مشتغلا بضد الحق لكن لو عرفه آثره واتبعه، فهذا يحتاج إلى الموعظة بالترغيب والترهيب، وإما أن يكون معاندا معارضا، فهذا يجادل بالتي هي أحسن، فإن رجع وإلا انتقل معه إلى الجدال إن أمكن.


(١) مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٢٥٧).
(٢) سورة لقمان الآية ١٧
(٣) سورة المدثر الآية ٧
(٤) سورة المدثر الآية ١
(٥) سورة المدثر الآية ٢
(٦) سورة المدثر الآية ٣
(٧) سورة المدثر الآية ٤
(٨) سورة المدثر الآية ٥
(٩) سورة المدثر الآية ٦
(١٠) سورة المدثر الآية ٧
(١١) سورة المزمل الآية ١٠
(١٢) سورة النحل الآية ١٢٧
(١٣) سورة الأحقاف الآية ٣٥
(١٤) سورة النحل الآية ١٢٥