للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو بيان لكمال رسالته، فإنه - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أمر الله على لسانه - بكل معروف ونهي عن كل منكر وأحل كل طيب وحرم كل خبيث - وكذلك وصف الأمة بما وصف به نبيها حيث قال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (١)

قال (أبو هريرة) رضي الله عنه: كنتم خير الناس للناس تأتون بهم في القيود والسلاسل حتى تدخلوهم الجنة.

فبين سبحانه أن هذه الأمة خير الأمم للناس فهم أنفعهم لهم وأعظمهم إحسانا إليهم؛ لأنهم كملوا كل خير ونفع للناس بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر. . . فهذه الخيرية لا تثبت لهذه الأمة إلا إذا حافظت على هذه الأصول الثلاثة، فإذا تركتها لم تكن لها هذه المزية، وقد أكد الأمر بهذه الفريضة في آيات كثيرة بما لم يعرف له نظير في الكتب السابقة. . . وقدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على (الإيمان) بالله في الذكر مع أن الإيمان مقدم على كل الطاعات؛ لأنهما سياج الإيمان وحفاظه، فكان تقديمها في الذكر موافقا للمعهود عند الناس في جعل سياج كل شيء مقدما عليه.

وقال تعالى: * {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (٢)

ففي الآية دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن قوله تعالى (ولتكن): أمر وظاهر الأمر: الإيجاب، وفيها بيان أن الفلاح منوط به إذ حصر، وقال: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (٣) وقال تعالى: {وَالْعَصْرِ} (٤) {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (٥) {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (٦)

فحكم الرب تبارك وتعالى بالخسار على جميع الناس إلا من كان آتيا بهذه الأشياء الأربعة وهي: الإيمان - والعمل الصالح - والتواصي بالحق - والتواصي بالصبر.

فدل ذلك على أن النجاة معلقة بمجموع هذه الأمور، وأنه كما يلزم المكلف تحصيل ما يخص نفسه، فكذلك يلزمه في غيره أمور منها - الدعوة إلى (الدين) والنصيحة (للمسلمين).

قال (ابن القيم): وبيان ذلك: أن المراتب (أربعة) وباستكمالها يحصل للشخص غاية كماله:


(١) سورة آل عمران الآية ١١٠
(٢) سورة آل عمران الآية ١٠٤
(٣) سورة آل عمران الآية ١٠٤
(٤) سورة العصر الآية ١
(٥) سورة العصر الآية ٢
(٦) سورة العصر الآية ٣