للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إحداها: معرفة الحق.

الثانية: عمله به.

الثالثة: تعليمه من لا يحسنه.

الرابعة: صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه.

فذكر تعالى المراتب الأربعة في هذه السورة وأقسم سبحانه في هذه السورة (بالعصر) إن كل أحد في خسر إلا الذين آمنوا: وهم: الذين عرفوا الحق وصدقوا به، فهذه مرتبة، وعملوا الصالحات: وهم: الذين عملوا بما علموه من الحق فهذه أخرى، وتواصوا بالحق: وصى به بعضهم بعضا تعليما وإرشادا: فهذه مرتبة ثالثة، وتواصوا بالصبر: صبروا على الحق ووصى بعضهم بعضا بالصبر عليه والثبات، فهذه مرتبة رابعة. . . وهذا نهاية، فإن الكمال أن يكون الشخص كاملا في نفسه مكملا لغيره، وكماله بإصلاح قوتيه - العلمية والعملية: فصلاح القوة العلمية: بالإيمان، وصلاح القوة العملية: بعمل الصالحات، وتكميله غيره بتعليمه إياه وصبره عليه، وتوصيته بالصبر على العلم والعمل. . . (وأما السنة): فقد رغب الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - أمته إلى الهدى والدلالة على الخير والنصح للمسلمين كما في (صحيح مسلم)، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (١)». وفي (صحيح مسلم) أيضا عن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئا (٢)».

وفي (الترمذي) عن: بلال بن الحارث: أنه قال: «من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من الناس لا ينقص ذلك من أجورهم (٣)».

أيها الأخوة الكرام والعلماء الأفاضل: ما مدح الله (أهل العلم) بما مدحهم به إلا لأنهم ورثة الأنبياء، يبلغون الشرائع للناس ويوضحون طرق الفلاح والنجاح وأسباب السعادة والعزة في هذه الدار {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (٤)

أيها العلماء: لقد علمتم ما قال الله في (ذم من لم يقم بواجبه)، ولم يؤد ما عليه لدينه وأمته من الدعوة والإرشاد والعظة والتذكير والإنذار بسوء العاقبة، كما في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} (٥) وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (٦) {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (٧)


(١) صحيح مسلم الإمارة (١٨٩٣)، سنن الترمذي العلم (٢٦٧١)، سنن أبو داود الأدب (٥١٢٩)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ١٢٠).
(٢) صحيح مسلم العلم (٢٦٧٤)، سنن الترمذي العلم (٢٦٧٤)، سنن أبو داود السنة (٤٦٠٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٩٧)، سنن الدارمي المقدمة (٥١٣).
(٣) سنن الترمذي العلم (٢٦٧٧)، سنن ابن ماجه المقدمة (٢١٠).
(٤) سورة المنافقون الآية ٨
(٥) سورة آل عمران الآية ١٨٧
(٦) سورة البقرة الآية ١٥٩
(٧) سورة البقرة الآية ١٦٠