للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إعادته، فإن من قدر على البدء فهو على الإعادة أقدر على ما هو الحال في النظر، وإن كان الكل بالنسبة لقدرة الله سواء، قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (١) بل سورة الطارق كلها في إثبات البعث وتهديد المكذبين.

وأما حديث التداوي فالقصد منه الأمر بالتداوي، والتنبيه على الأخذ بالأسباب وعدم الإعراض عنها، وبيان أن ذلك لا ينافي التوحيد، إذا كان المتداوي لا يعتمد على الأسباب ويجعلها الأصل في الشفاء، بل يوقن بأن الشفاء من الله، وأنه هو الذي جعل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، كما ثبت ذلك في الحديث، ولم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم أنواع الأدوية والأدواء، ولم يبين لكل داء ما يخصه من الأدوية إلا في جزئيات قليلة، ولم يضع للطب قاعدة يتعرف منها من يريد تعلم الطب وخواص الأدوية وأعراض الأمراض، ولكن حثهم على النظر وتعلم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وسخر الله لهم الكون، وأعطاهم العقل ليتبصروا في ذلك، ووفق منهم من شاء لما شاء من إدراك أسرار الكون وعجائبه، وما فيه من الخواص والمنافع والمضار.

فعلى المسلمين أن يتبصروا في كتاب الله تعالى، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ليعلموا كليات الشريعة ومقاصدها وتفاصيلها، كل بقدر ما آتاه الله من عقل واستعداد وما هيأ الله له من صحة وفراغ، كما أن عليهم أن يدرسوا أيضا سنن الله الكونية في السماوات والأرض ليعلموا ما أودع الله فيها من أسرار، وليستنبطوا منها ما شاء الله مما هم في حاجة إليه من علوم الطب والزراعة والصناعة والفيزياء وطبقات الأرض وغيرها من العلوم الكونية؛ ليستفيدوا منها في دنياهم، ويستعينوا بها في شئون دينهم، ويستغنوا بها عمن سواهم من الكافرين، وبذلك يجمعون بين القوة والعزة في الدنيا، والنجاة والسعادة في الآخرة، ويصلحون للخلافة في الأرض وعمارتها دينا ودنيا.

وعلى ولاة أمور المسلمين من علماء وحكام أن ينهضوا بالأمة الإسلامية، وأن يرعوها حق الرعاية، ويأخذوا بأيديها إلى ما فيه الخير والصلاح علما وعملا، ويوزعوا جهودها على جميع جوانب الحياة، دراسة وإنتاجا لشتى العلوم والأعمال، دينية ودنيوية، ليوجدوا الأكفاء الذين يقومون بمصالحها ويتضلعون بأعبائها، ويتحملون


(١) سورة الروم الآية ٢٧