للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للمكذبين على النظر في ملكوت السماوات والأرض وفي عجائب جميع ما خلق الله؛ ليستدلوا بذلك على ما سبق التصريح به من توحيد العبادة، وإفراده تعالى بالدعاء، وتسميته تعالى بما سمى ووصف به نفسه، من كمال الأسماء والصفات، ولا يلحدوا فيها كما ألحد غيرهم، بإنكارها وجحدها أو تحريفها عن مواضعها، أو بتسميته تعالى ووصفه بغير ما سمى ووصف به نفسه، أو تسمية غيره ووصفه بما سمى ووصف به سبحانه نفسه، خشية أن يصيبهم بأس الله وعقابه، بما كانوا يفترون من الإلحاد في أسمائه وصفاته، وأن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وليحذروا أن يغتروا بإملائه، فإنه سبحانه يملي إعذارا واستدراجا، ولكنه لا يهمل، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (١) {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} (٢) {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} (٣) {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (٤) ثم نوه بشأن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ورجاحة عقله، وصدقه في رسالته ونذارته، فقال سبحانه: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} (٥)، ثم أمرهم بالنظر في ملكوت السماوات والأرض. . فالآية مع ما قبلها سيقت لإثبات التوحيد بأنواعه، وإثبات رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصدقه فيما جاء به من الله، وإثبات الجزاء عاجلا أو آجلا يوم القيامة، كالآيات الأولى التي من سورة العنكبوت، ولم تنزل لوضع تقعيد أو نظريات للعلوم الكونية يرجع إليها من يريد أن يتعلم تفاصيل هذه العلوم إلى آخر ما تقدم إيضاحه في الآيات السابقة.

ولا يبعد مغزى آية: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (٦) عن مغزى ما تقدم من آيات سورة الأعراف وسورة العنكبوت من إثبات التوحيد وصدق النبي صلى الله عليه وسلم في الرسالة، وإثبات البعث يوم القيامة، بل سورة فصلت نزلت كلها لإثبات ذلك وبيانه.

وأما قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} (٧) {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} (٨) {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} (٩) فإنه سيق للاستدلال ببدء خلق الإنسان على قدرة الله على


(١) سورة الأعراف الآية ١٨٠
(٢) سورة الأعراف الآية ١٨١
(٣) سورة الأعراف الآية ١٨٢
(٤) سورة الأعراف الآية ١٨٣
(٥) سورة الأعراف الآية ١٨٤
(٦) سورة فصلت الآية ٥٣
(٧) سورة الطارق الآية ٥
(٨) سورة الطارق الآية ٦
(٩) سورة الطارق الآية ٧