من كمال قدرة الله على بدء الخلق، على أن يعيدهم للحساب والجزاء، فأمرهم أن ينظروا في الخلق نظر تدبر واعتبار، وأن يسيروا في الأرض ليعرفوا الدلائل الكونية على توحيد الله في ألوهيته وكمال أسمائه وصفاته، وقدرته على البعث يوم القيامة، ولينظروا كيف كان عاقبة من آمن ومن كفر، من نصر ونجاة للمؤمنين، ودمار وهلاك للكافرين، فيسلكوا سبيل الحق الذي دعا إليه المرسلون، ويهتدوا بهداهم، ويجتنبوا طريق من كذب رسله، فأنزل بهم بأسه، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر، ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون، فبالتبصر في هذا الآيات والاعتبار بها والإيمان بما دلت عليه من عقائد وأحكام، وما يتبع ذلك من عواقب يرفع الله بها الذين آمنوا والذين أوتوا هذا العلم عنده درجات نصرا وعزة في الدنيا، وفوزا وسعادة يوم القيامة.
ومن هذا يتبين أن القصد من هذه الآيات إثبات أصول دينية، هي توحيد الإلهية، وبعث العباد يوم القيامة للجزاء، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم في دعواه الرسالة، وفي دعوته الناس إلى التوحيد والبعث للجزاء، وقد دل على ذلك ما سبقها وما لحقها من الآيات، ولم يقصد بها وضع قواعد للصناعة والزراعة، يتعرف الناس منها شئون دنياهم، أو نظريات هندسية، أو شرح لسننه الكونية ليتعرف الناس منها علوم الهندسة والفيزياء وطبقات الأرض ويصلوا بذلك إلى ما ينهض بهم في دنياهم من مخترعات، إنما وصل إلى ذلك من وصل بتوفيق الله، ثم بما وهب الله له من فكر ثاقب ودراسة محكمة لما سخر الله لهم من ملكوت السماوات والأرض وما بينهما، وما أودع الله في ذلك من سنن كونية، فالأصل في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم التشريع الديني، تقعيدا وتفصيلا، لا التقعيد والتفصيل للعلوم الكونية، وما جاء فيهما من ذلك فهو قليل وغير مقصود بالمقصد الأول، بل بالتبع، كالأخبار التي وردت في مسائل من الطب ونحوه، وهي جزئيات محدودة لا قواعد كلية، يرجع إليها في تشخيص الأمراض، أو يعتمد عليها في جميع أنواع العلاج، أو يتعرف منها خواص جميع الخامات، وما يكون منها علاجا للأنواع المختلفة من الأمراض. كذا القول في آية:{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}(١) فإنها حث