للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما نزول عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام في آخر الزمان فقد جاء فيه آيات من القرآن وتواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالإخبار بنزوله، وأنه يقتل الدجال ويكون في هذه الأمة حكما عدلا وإماما مقسطا. وجاء في ذلك آثار كثيرة عن الصحابة والتابعين، وذكر بعضهم الإجماع على نزوله وأنه لم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكره الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافهم، وقد ذكرت ذلك مستوفى في (إتحاف الجماعة) فليراجع هناك.

وأما ما جاء في العنوان الأول عن نزول عيسى في أخر الزمان هو حقيقة يؤكدها القرآن أم مسألة تتنافى مع الإسلام؟

فجوابه أن يقال بل نزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان حقيقة يؤكدها القرآن، قال الله تعالى في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (١) {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (٢).

وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان، فيجب الإيمان بذلك لقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (٣) وقد جاء في ذلك آيتان من القرآن، إحداهما قول الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} (٤)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قبل موت عيسى ابن مريم. رواه ابن جرير بإسناد صحيح. وروى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قال: خروج عيسى ابن مريم. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي في تلخيصه. وروى أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قال: يعني أنه سيدركه أناس من أهل الكتاب حين يبعث عيسى فيؤمنون به. وروى ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية نحو قول ابن عباس رضي الله عنهما. وهذا القول هو الصحيح في تفسير الآية، وقد اختاره ابن جرير وابن كثير وبه يقول أبو مالك والحسن وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم، قال الحسن: والله إنه لحي الآن عند الله، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون


(١) سورة النجم الآية ٣
(٢) سورة النجم الآية ٤
(٣) سورة الحشر الآية ٧
(٤) سورة النساء الآية ١٥٩