للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رواه ابن جرير. وأما قول من قال من المفسرين إن الضمير في قوله: قبل موته يعود إلى الكتابي فليس فيه معارضة لما تقدم، فقد يؤمن كل كتابي عند احتضاره بأن عيسى عبد الله ورسوله، ولكن لا ينفعه إيمانه في هذه الحالة، وأما الذين يؤمنون به بعد نزوله في آخر الزمان فإن إيمانهم به ينفعهم، والله أعلم.

الآية الثانية قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} (١)، وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة والأعمش: (وإنه لعلم للساعة) بفتح العين واللام، أي أمارة وعلامة على اقتراب الساعة. قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} (٢) قال: "هو خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة ". رواه الإمام أحمد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم في مستدركه وصححه هو والذهبي. وقد رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم «قال: نزول عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة (٤)» صححه الحاكم والذهبي. وقد روي عن أبي هريرة ومجاهد والحسن وقتادة وأبي العالية وأبي مالك وعكرمة والضحاك نحو قول ابن عباس رضي الله عنهما.

ومما جاء في الآيتين والأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان، وما قاله ابن عباس وأبو هريرة وغيرهما من السلف في تفسير الآيتين من سورة النساء وسورة الزخرف يعلم أن نزول عيسى عليه الصلاة والسلام حق، والحق لا يتنافى مع الإسلام، ومن زعم أن نزوله يتنافى مع الإسلام فهو ممن يشك في إسلامه؛ لأنه لم يحقق الشهادة بأن محمدا رسول الله، إذ لا بد في تحقيقها من التصديق بكل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمور الغيب مما كان فيما مضى وما سيكون في المستقبل، وأما قول بعض المتخرصين: إن الأحاديث الواردة في نزول عيسى كلها مزيفة لا يقبلها العقل.

فجوابه: أن يقال: هذه مكابرة لا تصدر من رجل له أدنى مسكة من عقل ودين. وإذا كان عقل المرء فاسدا فلا شك أنه يتصور الحق في صورة الباطل، وقد جاء في نزول عيسى عليه الصلاة والسلام أكثر من خمسين حديثا مرفوعا، أكثرها من الصحاح


(١) سورة الزخرف الآية ٦١
(٢) سورة الزخرف الآية ٦١
(٣) مسند أحمد بن حنبل (١/ ٣١٨).
(٤) سورة الزخرف الآية ٦١ (٣) {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ}